إصلاح المجتمع وصلاحه رهين بالزوجة الصالحة
الشيخ بن سالم باهشام
قال تعالى في سورة المدثر: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر: 1 – 4]، أي يا أيها النبي المتغطي بثيابه، قم مِن مضجعك، وادع إلى سبيل ربك، محذرا الناس من عذاب الله، وخُصَّ ربك وحده بالتعظيم والتوحيد والعبادة، [التفسير الميسر، بتصرف (10/ 308، بترقيم الشاملة آليا)]، واختر ثوبا طاهرا تلبسه، ويقصد به الزوجة، ويسمى الرجل المتزوج ثيب، فهذه الآيات نزلت قبل فرض الصلاة، وقبل الطهارة، لذلك يعنى بها الزوجة، فالثياب يقصد بها المعنى المجازي، وهو قول الأكثر، [تفسير ابن عجيبة “البحر المديد” لابن عجيبة (6/ 446، بترقيم الشاملة آليا)]، وهذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض، [وهو قول الجمهور: المحرر الوجيز، لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (ت 542هـ) (6/ 445، بترقيم الشاملة آليا)]، لهذا ففي تأويل الآية أن قوله تعالى: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) معناه نساءك طهرهن، وقد يكنى عن النساء بالثياب، قال تعالى في سورة البقرة: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة : 187] [تفسير الرازي (16/ 132، بترقيم الشاملة آليا)]، أي اختر ثوبا طاهرا تلبسه، والتطهر فيهن اختيار المؤمنات العفائف. [البحر المحيط، لأبي حيان (10/ 388، بترقيم الشاملة آليا)]، وأهلك طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوباً وإزاراً ولباساً [اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (ت 775هـ) (16/ 58، بترقيم الشاملة آليا)، (النكت والعيون، للماوردي (ت 450هـ) (4/ 346، بترقيم الشاملة آليا)].
لقد جعل الله اللباس كناية عن الزوجين، لكونه ستراً للزوج ولزوجته أن يظهر منهما سوء، كما أن اللباس يمنع أن تبدو السوءة، وعلى ذلك جعلت المرأة إزاراً، وسمي النكاح حصنا؛ لكونه حصيناً لذويه عن تعاطي القبيح.[الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تفسير الراغب الأصفهاني، صفحة 398.]، أما عن البلاغة اللغوية في الآية الكريمة، نجدها في أسلوب التشبيه الذي تتضمنه الآية؛ فقد شبّه الله -عز وجل- الزوجة وكأنها لباسٌ لزوجها، وكذلك الزوج وكأنّه لباس لزوجته، ووجه الشبه بين اللباس والأزواج الستر والغطاء، وأيضا القرب والراحة التي تولدها الملابس عادةً للإنسان حين يغطي سوءاته؛ وكأنهم سترٌ لبعضهما كما اللباس؛ أي ما يلبسه الإنسان من ثياب ليستتر به على جسمه. والاستنتاج من التفاسير المعتمدة عند أهل العلم للآية الكريمة أن الله – سبحانه وتعالى- قد جعل للزوجين حقاً ببعضهم البعض، فقد شرع الله – سبحانه وتعالى- النكاح للبشر حتى يُسيّروا رغباتهم التي وُضِعت، وجُبِلت في خلقتهم ضمن حدوده وشرائعه، فلا تبقى مطلقة، فقد قيّدها – سبحانه وتعالى- وجمّلها بأُطرٍ شرعيةٍ منضبطة؛ من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق رغباته بطريقة تليق بالمروءة وكرامته كإنسان، وبما تختلف حياته عن البهائم التي يغلب عليها طابع العشوائية في نظام حياتها.
إن الإنسان يتجه للنكاح الذي لطالما أنعم به – سبحانه- على البشر، ليقوّم به رغباته، قال – تعالى- في سورة النحل: (والله جَعلَ لَكم مِن أنفُسِكُم أزواجًا، وجَعَلَ لَكُم مِن أَزواجِكُم بَنين وَحَفَدة، وَرزقَكُم مِن الطَّيِبات، أفَبِالباطلِ يُؤمِنون وبِنعمَت الله هُم يَكفرون)،[ سورة النحل، آية:72]، فالنكاح أمر من لوازم الحياة؛ لا غناء عنه، لهذا جاء الإسلام الذي هو دين الفطرة، ليشرعه وليضبطه، وفي ظل التشبيه الذي تضمنته الآية، لابد أن نشير إلى الراحة التي لطالما يشعر بها الإنسان عند تغطية ذنوبه وسترها، وذلك ما يجب أن ينعكس من شعور بين الزوجين، وقد جعل الله – تعالى- في ثنايا هذا الأمر ستراً وتحصيناً وحفظاً لهما، وإغناء لهما بالحلال عن الحرام، وفي هذه الآية الكريمة فوائد تنعكس على الإنسان والمجتمع، من هذه الفوائد: تحقيق الستر لكلا الزوجين بمعناه الحقيقي والمجازي؛ حيث إنّ الزوجة ستر للزوج، والعكس صحيح. كما يبعث الله -عزّ وجل- بين الزوجين الشعور بالراحة النفسية حينما تكون العلاقة مُجمّلة بقوانين الشرع بعيداً عن الحرام والطريق الخاطئ، قال – تعالى- في سورة الأعراف: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا).[ سورة الأعراف، آية:189]، فالآية تُبيّن أن الإسلام قد ضبط رغبات الإنسان، فلم يجعلها مطلقة. وجعل – سبحانه وتعالى- في النكاح تحصين للإنسان وحفظ له ليبتعد عن الملذّات المحرمة، حفظا للمجتمع، قال – تعالى- في سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [سورة المؤمنون، آية:5]؛ فشرائع الإسلام تضبط سلوك الإنسان وتهذبه، وتقوّم سلوكه وتحفظه من الوقوع في المحرمات.
عباد الله، إن مُناسبَة الأمر باختيار العفائف من الزوجات في سورة المدثر، لِمَقامِ الدَّعْوَةِ إلى الله؛ مِمّا لا غُبارَ عَلَيْهِ، إذ الاستقرار الدعوي رهين بالاستقرار الأسري، فتَطْهِيرِ الثِّيابِ أمْر بإعداد القوة الداخلية التي هي الزوجة الصالحة العفيفة، والتي هي دعم للنجاح في جهاد الدعوة إلى الله، والتي هي الشعبة السابعة والسبعون والأخيرة من شعب الإيمان، وتدخل ضمن الخصلة العاشرة من الخصال العشر التي هي الجهاد، فلا دعوة إلى الله ولا جهاد في سبيل الله دون زوجة صالحة واستقرار أسري.
هذا هو القرآن الكريم كلام الله، الذي له أفق واسع، وأبعاد كبيرة، وأهداف سامية، فهو الذي صنع تاريخ الأمة الإسلامية، وضم شعوبها تحت راية التوحيد، وكرم الإنسان وحمّله مسئولية خلافة الأرض، وجعل الصلاح والإصلاح في يد المرأة الزوجة، فإن فسدت فسد البيت وإن كان القيم نبي، قال تعالى في سورة التحريم: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، أي كانتا تحت قيمومة عبدين من عبادنا، وهذا التعبير يفيد أنّه كان من المتوقّع أن تتأثّرا بتربية الرسول، حيث لم يعبّر عن علاقتهما بالزوجية، وهذا الاختيار يفيد هذا المعنى، كما أن اختيار التعبير بالصلاح مع أنّـهما رسولان؛ فضلا عن كونهما صالحين، للتنبيه على أنّ عدم هدايتهما لم يكن لنقص في الفاعل، بل في القابل، فهما كانا يصلحان لهداية الخلق؛ فضلا عن هداية الأسرة، فضلا عن هداية الزوجة، إلا أنّ المرأتين كانتا غير صالحتين للهداية. والخيانة في الآية ليس المراد منها الخيانة الزوجية، لما ورد في الحديث من أنّ الله تعالى يمنع زوجات الرسل من ارتكاب ذلك صيانة لمقام الرسالة، وإنما المقصود أنهما كانا يفشيان أسرار بيت النبوة للأعداء، فهاتان المرأتان أنموذجان واضحان من الكفر، للرجال والنساء، وإنما ذكر الإناث واعتبرهما أنموذجين للذين كفروا؛ أنهما كانتا في بيت الوحي والنبوة، وتشاهدان الآيات عن قرب، وتخالطان رسول رب العالمين، وتجدان منه القمّة في حسن السلوك، ورفعة الخلق، والزهد في الدنيا، والعصمة من كل ذنب وشرّ، فالمفروض أن تكونا من أفضل المؤمنين وأقربهم إلى الله تعالى، فإذا بهما من أبعد خلق الله من رحمته، فتخونان الرسول، وتستهزئان به وبرسالته، وتخبران الأعداء بأسراره، وتؤلّبان عليه، فهما شّر خلق الله تعالى وأكفرهم، فكان خليقا بهما أن يعتبرهما القرآن مثلا ونموذجا للكفر. فالمرأتان لم يفدهما علاقتهما بالرسولين، لهذا حقّ عليهما القول بدخول النار مع الداخلين، وفي التعبير بدخولهما مع الداخلين استخفاف بشأنهما، لأن العقوبة من جنس العمل، حيث استخفّا بشأن من تشرّفا بالعلاقة معه، فاعتبرا كعامة المشركين لا يميّزهما شيء، والغرض أنّ التمييز في الحياة الدنيا لزوجة الرسول إكراما لمقامه لا يستلزم تميّزا لها يوم القيامة.
عباد الله، كما أن الزوجة الفاسدة لها أثر خطير على الدعوة، وأثر سيء في فساد المجتمع، فإن الزوجة الصالحة بالمقابل إذا صلحت صلح البيت كله، وإن كان القيم فرعون، مصداقا لقول الله تعالى من سورة التحريم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ). وفي الذين آمنوا لم يضرب سبحانه مثلا من الذكور في الصلاح، وإنما ضربه بالإناث، لأهمية الأنثى، وتأثيرها الفعال في المجتمع، فالأنثى الأولى كانت هي امرأت فرعون، إذ قالت: ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة، فهي أنموذج للمؤمن الخالص المتّقي، إذ قلّ أن يبلغ مقامها أحد من الرجال فضلا عن النساء، والسّرّ في كونها مثلا؛ أنّها كانت امرأة فرعون، ذلك الطاغية الذي من طغيانه وجبروته ادّعى الألوهية فقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص: 38]، وادعى الربوبية فقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24]، ورغم أنها كانت تعيش في قمّة الرفاهية، وتمتلك كل مقوّمات السلطة، لم تجذبها كل هذه المغريات، فطلبت القرب لدى الله تعالى بإيمانها، والتعبير المنقول من دعائها دليل على غاية معرفتها وكمالها، فهي لم تطلب كغالب المؤمنين قصرا مشيّدا في الجنة تسكنه الحور والغلمان، وتجري تحتها الأنهار من الماء والعسل والخمر، بل طلبت بيتا عند ربها، فمطلوبها الأول والأخير أن تكون بجوار ربّها. وهذه هي النعمة العظمى لو كانوا يعلمون.
والظاهر أنّ القصد من حكاية هذا الدعاء عنها؛ الإشارة إلى أنها أعلنت براءتها من الطاغية فرعون، ومن عمله وهو الطغيان على الله تعالى، والظلم على العباد، كما تبرأت من كل ما يفعله جلاوزته وقومه وأتباعه، فإنّهم كلهم كانوا ظالمين. ولعلها قصدت بذلك الإسراع في موتها، فإنّ ذلك هو الوسيلة المتوقّعة في تلك الظروف للنجاة من بؤرة الفساد.
أما الأنثى الثانية والتي هي مثل آخر للإيمان، مريم العذراء، وإنّما ضرب الله تعالى في هذا المقام مثلين للمؤمن أيضا من النساء، ليبيّن لنا أنّ المرأة أيضا يمكنها أن تبلغ درجة من الكمال تتفوق بها على عامّة الخلق، فتكون مثلا ونموذجا للإيمان، وبيّن سبحانه في هذه الآية ثلاث مميّزات لمريم عليها السلام:
الأولى: أنّها أحصنت فرجها: والإحصان هو الحفظ والصيانة، والتعبير بالفرج كناية عن اجتناب العلاقة غير الشرعية، فكل ما ورد في القرآن من حفظ الفرج يقصد به ذلك، وقد وقع الكلام في كون هذا من مميزاتها عليها السلام، مع أنّه أمر متعارف لا يختص بها، بل لا يختص بالمؤمنات، فقيل: إنّ المراد بها الردّ على اليهود حيث اتّهموها بالفجور، ونسبوا ولدها المسيح عليه السلام إلى ذلك، والظاهر من الآية ذكر خصائصها التي من نفسها ومن أعمالها ومنجزاتها، ولا يبعد أن يكون المراد تورّعها عن أدنى شيء مما يمكن أن يدنّس طهارتها ونقاءها وخلوصها لله تعالى، حتى ما لا يعتبر حراما؛ بل ولا مذموما، ولكنه ينافي الخلوص لله تعالى، فيشمل حتى الأفكار والأماني والخواطر الذهنية. والحاصل أنّ الآية تشير إلى قداستها وبعدها عن كل ما يشينها من الجهة الجنسية. وبذلك استحقّت أن تكون موضعا لنفخ الروح.
الثانية: تصديقها لكلمات ربّها وكتبه: والتصديق أيضا له مراحل، وإنما امتدحها الله تعالى بذلك لأنّها كانت في أعلى مراتب التصديق، ولذلك وصفها اللته تعالى بالصدّيقة في قوله سبحانه من سورة المائدة: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) [المائدة: 75] ، وقيل: إنّ الصدّيقة مبالغة في الصدق، ولعل المراد بالكلمات، كل ما يوحى إليها، أو يأتيها من أمر السماء بواسطة ملك أو نبي، وبالكتب السماوية المشتملة على شرائع الله تعالى.
الثالثة: أنها كانت من القانتين: والقنوت الطاعة في خضوع. والتعبير بأنّها من القانتين يوحي بابتعادها عن الأنانية والإعجاب بالنفس، وأنّها كانت ضمن المجموعة التي تقنت للّه تعالى، وفي ذلك امتثال لما جاءها من الأمر بواسطة الملائكة حيث قالوا : (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 43]، فأُمرت بالقنوت، وأُمرت بأن تركع مع الراكعين؛ فلا تشعر بالاختصاص، روى البخاري، ومسلم، عنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا: آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ) [رواه البخاري (3/1252 ، رقم 3230)، ومسلم (4/1886، رقم 2431)].
ذكر معظم شراح الحديث أن المراد من هذا الحديث: الأمم السابقة ،( ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأحد من نساء زمانه، إلا لعائشة خاصة، فإنَّه فضلها على سائر النساء) [ المفهم للقرطبي: (20/73)]، (وَلَفْظُ الحديث يَقْتَضِي حَصْرَ الْكَمَالِ فِي النِّسَاءِ فِي مَرْيَمَ وَآسِيَةَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ فِي زَمَانِهِمَا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَلَتْ نَبِيًّا فِي حَالِ صِغَرِهِ، فَآسِيَةُ كَفَلَتْ مُوسَى الْكَلِيمَ، وَمَرْيَمُ كَفَلَتْ وَلَدَهَا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَه، فَلَا يَنْفِي كَمَالَ غَيْرِهِمَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَخَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ)[البداية والنهاية لابن كثير(2/431)]، و(“كمل من الرِّجَال كثير”، أَي من الْأُمَم السَّابِقَة، “وَلم يكمل من النِّسَاء إلا امْرَأَتَانِ”، وَلَا يلْزم مِنْهُ أنه لم يكمل من أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد من النِّسَاء، بل لهَذِهِ الْأمة مزية على غَيرهَا ) [شرح سنن ابن ماجه للسيوطي (1/236)].
هذان المثلين في سورة التحريم، يعطينا ماذا يريد الله تعالى من هذه الأنثى التي هي أصل صلاح الدين والدنيا معا، فهي الثوب، (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)، وهي بمثابة الشمس – أصل النور- إن هي أشرقت، هي الثوب إن طهرت فالبيت طاهر، وإن دُنّست فقد شابه الرجس. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ابحث
أضف تعليقاً