الموقف الثقافي السياسي من الحرب على غزة
د. عبدالله النقرش
يتناول الحديث هنا المثقفين الحقيقيين والجذريين، اما أولئك الذين تاتي مواقفهم منحازة سلفا لاعتبارات خاصة فعليهم تبرير مواقفهم بالشكل الذي يريدون، وعلى ضوء ذلك يتم تموضعهم في دوائر انتمائهم وتأثيرهم.
يفترض بالمثقف الحقيقي على صعيد الفكر او على صعيد الاعلام ان يمثل ضمير الامة. وفي حالة ما يجري في قطاع غزة، ربما يفترض بالمثقف ان يمثل ضمير الإنسانية. فالواقع يؤكد بان شعوب العالم لم تتوقف عند مواقف وتوجهات قادتها السياسيين، وعبرت بشكل قل نظيره عن مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني. فقد عبرت هذه الشعوب عن ذلك بما اهلته لها فطرتها الطبيعية للتمييز بين الحق والباطل، بين الظالم والمظلوم بين المعتدي الحقيقي ورد الفعل المقاوم.
تتحدد المواقف عادة بالرجوع الى المعيار القيمي الأصيل الذي يربط بين الحرية والحق، فبقدر ما يكون الانسان حرا بقدر ما يكون مع الحق، وبقدر ما يعي ذاته يدرك الحقيقة ويرفض الخداع. وبقدر ما يكون عقلانيا يربط بين الأسباب والنتائج. لذلك لا يمكن لإنسان حر وعادل وعاقل ان يكون الى جانب المحتل على حساب المقاوم صاحب الأرض. والموقف هنا لا يجوز ان يكون نسبيا ومؤقتا، بل انه يتماهى مع موقف ومشروع الامة.
وكذا، يتخذ موقف صيغته بما يتفق والإرادة المبدأية للمثقف الحقيقي، الذي لا يجوز ان يكون متفرجا، حيث تتوفر له فرصة النقد العقلاني، أخلاقيا وسياسيا. وعليه دائما ان يرفض الطغيان السياسي على الفكري والإنساني.
ولهذا فصيغة الموقف الجذري الإيجابي مما يحدث او يقال او يقرر، تقوم على رفض الإحساس بالدونية تجاه القوة المتسلطة او الغالبة، والبعد على الارتباط بالزبونية والالحاق او الاستسلام لولي النعمة او المصلحة، فعلى المثقف دائما ان يقاوم من يفرض عليه قوة الراي بالقوة او بالإغراء، وعليه ان لا يخلط بين الولاء للسلطة والولاء للوطن، فمناط ولاء المثقف الوطن والأمة وليس السلطان ونظامه.
فلماذا يجب ان تكون الرسالة الثقافية بهذا القدر من الالتزام؟ بكل بساطة، لانه عندما تميع الثقافة اوتلتبس او تنهار، تضيع الهوية العامة، ويتحول الوطن الى خصوصيات فئوية مصلحية ومتصارعة. فالنظرية الفكرية الوطنية هي وحدة المجتمع، ووحدة الأرض، ووحدة الحق والواجب ووحدة الالتزام، ووحدة الغاية وبالتالي وحدة الوجود الحضاري للامة.
تتعرض فلسطين، لاحتلال الأرض، واحتلال العقل، والثقافة، وفرض ثقافة التطبيع والهزيمة، وتهجير المواطنين الفلسطينيين الى الشتات الدائم والكلي، ويجري تكييف البيئة المحيطة للغزاة ، ويستشري نفوذ العملاء افرادا وجماعات ومنظمات أهلية، ويُبرأ الصهيوني القاتل المحتل الذي يجري تحويله الى بطل اسطوري، او مبشر حضاري مدني ، علماً انه مجرد معتدِ و غازِ قاتل!
تتعرض فلسطين الى ذلك كله وتدمير كل ما هو حضور تاريخي او راهن او مستقبلي لشعب عريق اصيل في إقليم من اكثر أقاليم العالم حساسية واهمية و مركزية حضارية ، فإلى جانب من يجب ان يكون موقف المثقف الحقيقي ؟!
ابحث
أضف تعليقاً