بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمداً عبده ورسوله ، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى : من عمل صالحاً فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ، اما بعد :-
أبو عبيدة بن الجراح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة " هو عامر بن الجراح ، كان طويل القامة ، نحيل الجسم ، وضيء الوجه ، جم التواضع ، شديد الحياء ، ترتاح العين لمرآه ، ويطمئن إليه الفؤاد ، لكنه كان إذا اشتد الأمر وجد الجد يغدو كأنه الليث عاديا ، فهو يشبه نصل السيف رونقا وبهاء ويماثله حده ومضاء
وصفه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال : ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوها ، وأحسنها أخلاقا ، وأثبتها حياء0 إن حدثوك لم يكذبوك ، وإن حدثتهم لم يكذبوك ، أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح ، كان من السابقين إلى الإسلام ، أسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه وعلى يديه ، وقد مضى أبو بكر به وعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلنوا إسلامهم بين يديه ، فكانوا الدعائم الأولى للدعوة الإسلامية 0
عانى أبو عبيدة الحياة القاسية في مكة المكرمة وذاق مرارة العذاب ، من قريش العاتية ولكنه ثبت وصبر وصدق الله ورسوله في كل موقف 0 امتحن يوم بدر إمتحانا قاسيا ، وكان يصول في الميدان والفرسان يتنحون عنه كلما واجهوه ، ، أنزل الله قرآنا يتلى بشأن أبي عبيدة وبشأن أبيه قال تعالى " لا تجد قوما يؤ منون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم ، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ألئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون "
لقد استعلى أبو عبيدة على الطين والوحل ، وسمت نفسه إلى أعلى عليين ، إنه القوي في عقيدته الأمين على دعوته ، قدم وفد من النصارى على رسول الله عليه السلام فقالوا يا أبا القاسم ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ليحكم بيننا في أشياء من أموالنا اختلفنا فيها ، فإنكم عندنا معشر المسلمين مرضيون ، فقال رسول الله عليه السلام ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين ، قال عمر رضي الله عنه فرحت إلى صلاة الظهر مبكرا وما أحببت الإمارة حبي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحب هذا النعت ، فلما صلى بنا رسول الله الطهر جعل ينظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليراني ، فلم يزل يقلب بصره فينا حتى رأى أبا عبيدة فدعاه فقال : أخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه ، فقلت : ذهب بها أبو عبيدة 0
ثبت يوم أحد حين هزم المسلمون وكان أحد النفر العشرة الذين أحاطوا بالرسول الكريم ليدفعوا عنه بصدورهم رماح المشركين ، ولما أنجات المعركة فتبين أن رباعية الرسول الكريم كسرت وشج جبينه ، وغارت في وجنتيه حلقتان من حلق درعه ، فأقبل عليه الصديق يريد انتزاعهما ، فقال له أبو عبيدة : أقسم عليك أن تترك ذلك لي ، فتركه فخشي أبو عبيدة إن اقتلعهما بيده أن يؤلم رسول الله فعض على أولاهما بثنيته عضا قويا محكما فاستخرجها ووقعت ثنيته ثم عض على الأخرى بثنيته الثانية فاقتلعها فسقطت الثانية كان أبو عبيدة خير نصيح لأبي بكر في الحق ، ودان بالطاعة لعمر رضي الله عنه ولم يعصه في أمر إلا مرة واحدة وقع ذلك حين كان أبو عبيدة في بلاد الشام فاتحا فبلغ الفرات شرقا وآسيا الصغرى شمالا ، عند ذلد دخل بلاد الشام طاعون كان يحصد الناس حصدا ، فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن وجه رسولا إلى أبي عبيدة برسالة يقول فيها :
" إني بدت لي اليك حاجة لا غنى لي عنك فيها ، فإن أتاك كتابي ليلا فاني أعزم عليك ألا تصبح حتى تركب إلي ، وإن أتاك نهارا فإني أعزم عليك ألا يمسي حتى تركب إلي " فلما أخذ أبو عبيدة كتاب الخليفة عمررضي الله عنه قال :" قد علمت حاجة أمير المؤمنين إلي فهو يستبقي من ليس بباق ، ثم كتب إليه يقول : يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي وإني في جند من المسلمين ، ولا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم ، ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره ، فإذا أتاك كتابي هذا فحللني من عزمك وأذن لي بالبقاء " فلما قرأ عمر الكتاب بكى حتى فاضت عيناه ، فقال له من عنده من شدة بكائه : أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ولكن الموت منه قريب ، ولما لبث أبو عبيدة أن أصيب بالطاعون فلما حضرته الوفاة أوصى جنده فقال : إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير : أقيموا الصلاة ، وصوموا شهر رمضان ، وتصدقوا وحجوا ، واعتمروا ، وتواصوا ، وانصحوا لآمرائكم ، ولا تغشوهم ، ولا تلهكم الدنيا ، فإن المرء لو عمر ألف حول ما كان له من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون ، ثم التفت إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال : يا معاذ صل بالناس ثم فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها
رحم الله المجاهدين الأبرار ، وجعلنا الله ممن يسير على نهجهم القويم
تم التعديل والتنسيق في 21/3/2009
ابحث
أضف تعليقاً