الاستفتاح بالشهادتين والصلاة والسلام على رسول الله
أخوة الإسلام : إن من أعظم قِيم ودعائم ديننا القويم ، ومن أسباب ثباتِ الدولة وانتصارِها وازدهارِها، ومن أعظم أسباب التوفيقِ والنجاح: العدلَ . ذلك الخلقُ الفاضلُ الذي قامت عليه الأرضُ والسموات وأمر الله به صريحا (إن الله يأمر بالعدل والإحسان..) وفي مقابلِه يكون الظلمُ والاستبدادُ الذي يكونُ وبالا على صاحبه في الدنيا والآخرة كما في حديث جابر عند مسلم (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) ..
عباد الله : موضوعُ العدلِ والظلمِ ذو شجون ولن أوفِّيه حقَّه في وقتٍ وجيز.. ولكنني سأقف مع عنصرٍ من عناصره يكفي لردع الظالمِ إن كان له قلبٌ أولى السمع وهو شهيد.. سأقف مع حقٍ للمظلوم كفَلَه الشارعُ له ليردَّ الظلم عن نفسه، ولا يستطيعُ بشرٌ أن يمنعَ هذا الحقَّ أو يحولَ بين المظلومِ وبينه مهما بلغَ المظلومُ من درجاتِ الضعف والذِّلةِ بل مهما بلغ من الفجورِ والرقةِ في الدين .. ألا وهو الدعاءُ على الظالم .. فقد جاء في المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ رضي الله عنه حينما أرسله إلى اليمن: (واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجابٌ)؛ وعند الحاكم بسند صححه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة) كنايةً عن سرعةِ وصولها لظهورِ اضطراره..وعند أحمد والترمذي بسند صحيح أن الله يقول لدعوة المظلوم (وعزَّتي لأنصرنك ولو بعد حين).وعند أحمدَ وغيره بسند حسنه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوة المظلوم مستجابةٌ،وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه)
عباد الله: لقد سطرت السُّنة والتاريخُ بل والواقعُ شواهدَ حيةً على استجابة دعوة المظلوم، فقد دعا سعدٌ رضي الله عنه وكان واليا على الكوفة دعا على أبي سعدةَ عندما ظلمه بالوشاية به إلى عمرَ واتهمه بأنه "لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ َلأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ، يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ. فإذا قيل له في ذلك، قال شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد. ودعا سعيد بن زيد كما في الصحيحين على أروى بنت أويس حين اتهمته بأخذ شيء من أرضها فقال : "اللهم إن كانت كاذبة، فأعم بصرها، واجعل ميتتَها في هذه الأرض". قال عروة: "فوالله لقد عمي بصرها حتى رأيتُها امرأةً مسنةً تلتمس الجدرانَ بيديها، وكانت في هذه الأرض بئرٌ، وكانت تمشي في أحد الأيام فسقطت في البئر، وكان ذلك البئرُ قبرَها ".
عباد الله : هكذا دعوات المظلومين الذين يرفعون الحصارَ المفروضَ عليهم برفع أكفهم إلى القدير ليفتحَ لهم الأبواب ، ويوفِّيهَم وعدَه بالنصر ويعطيَهم مفاتيحَ الفرج ، وينـزلَ عليهم المدد وأيَّ مدد ، مددَ رب الأرباب، وخالقِ الأسباب جل وعلا
لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيكَ بِالنَّدَمِ
نَامَتْ عُيُونُكَ وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
عباد الله : إن دعوةَ المظلوم على الظالم لا حرج فيها كما تفيده تلك الأخبارُ وغيرُها كثير.. فاحذر أيها المسلم أن تكون ظالما لئلا تتعرضَ لدعوةٍ تُجاوزُ الحجبَ وأنت عنها غافلٌ فتلقى الناصرَ لها الذي لا يعجزُه شيء في الأرض ولا في السماء فيحققُ وعدَه لها ولو بعد حين .. ذكر المؤرِّخون أن الفضلَ وَلَد خالد بن بَرْمك كان يقول لوالده وهما في السجن مقيَّدَيْن: "يا أبتي، بعد العزِّ ونفوذِ الكلمة نصيرُ إلى هذه الحال؟"؛ فقال له والده: "يا ولدي، دعوةُ مظلومٍ سَرَتْ في ليلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفلِ الله عنها". وكان يزيدُ بنُ حكيمٍ يقول : "ماهِبْتُ شيئا قط هيبتي لرجل ظلمتُه وأنا أعلم أنه لا ناصرَ له إلا اللهُ جل وعلا فيقولُ لي حسبُك الله .. الله بيني وبينك" .
أخوة الإسلام : كم هي صورُ الظلم التي تعشعشُ في أوساط المجتمع والظالمُ فيها يدعي العدلَ أو هو مغترٌّ بقوته ونفوذه..كم من المظلومين من هُضم حقُّه ، أو أُخذ مُلكه ، أو اتهُم بما ليس فيه..وأعظمُ الظلم ظلم الوالدين بعدم إعطائهما حقَّهما ، وإهمالِهما عند حاجتهما إلى الرعاية والعناية..ويالها من مصيبة عندما تجتمع دعوة مظلوم ووالد ..
ومن الظلم ظلم الأولاد بالإعراض عن تربيتهم أو الإنفاق عليهم ..
ومن الظلم: أخذُ أموال اليتامى والتعدي عليها بغير حق: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) . ومن الظلم: جَحْدُ الدَّيْن الذي عليك لمخلوق، أو المماطلةُ به مع الغنى والجدة، أو أخذُ أموال الناس مع إضمار عدم الوفاء بها ؛ صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليُّ الواجِد ظلمٌ يُحِلُّ عِرْضَه وعقوبته).
ومن الظلم: الاستهتارُ بحقِّ الزوجة، وعدمُ إعطائها حقَّها من المَهْر أو النَّفَقَة ونحوها، أو ضربُها وتعنيفُها بلا سبب. أو الميلُ لإحدى الزوجتَيْن دون الأخرى؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما؛ جاء يوم القيامة وشقُّه مائل ) .
ومن الظلم: ظلم الأُجَراء بعدم إعطائهم الأجرة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يوم القيامة،ومن كان كذلك خُصِم.)، وذكر منهم:(ورجلاً استوفى من الأجير العمل،ثم لم يُعْطِهِ أجرته)رواه البخاري
ومن الظلم: التعدِّي على أملاك الغَيْر من أراضٍ وعقارات في حين غفلتهم أو غيبتهم؛ قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا؛ طُوِّقَه من سبع أراضين يوم القيامة).
ومن الظلم: الاعتداء على الأملاك العامة التي يعود نفعها لجميع أبناء الأمَّة أو تشبيكُها دونهم على وجهٍ يتعارض مع ما سنَّه وليُّ الأمر للحفاظ على مصالح المسلمين؛ يقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: (من اقتطع أرضًا ظالمًا؛ لقيَ الله وهو عليه غضبان) رواه مسلم. فاتقوا الظلم عباد الله فإنه ظلمات يوم القيامة..واحذروا دعوة الذين لا نصير لهم إلا مولاهم فإنها حقيقةٌ بالإجابة ولو بعد زمن طويل.. أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية :
عباد الله :
ومن الظلم الذي ينبغي الحذرُ منه ومن دعوةِ مَن وقع عليهم : تعمّدُ إعناتِ المسلمين، وتأخيرِ منافعهم، وتعقيدِ حاجاتهم، وقصدُ الإضرار بهم في كل ذلك ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (اللهم من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئًا فشقَّ عليهم؛ فاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم؛ فارْفُقْ به).
ومن الظلم أيضًا: المحاباةُ في الوظائف، وتقديمُ غيرِ الكفء على الكفء في استحقاقٍ ونحوه لقرابةٍ أو صداقةٍ أو مصلحةٍ؛ يقول صلى الله عليه وسلم : (ما من أمير عشرةٍ إلا يؤتَى به يوم القيامة مغلولاً، لا يفكُّه إلا العدل، أو يُوبِقُهُ الجَوْر)؛ رواه الإمام أحمد وقال: "صحيحٌ".
ومن الظلم: التطاول على العلماء الربانيين الذين يصدحون بالحق لا يخافون لومةَ لائم، أو الدعاةِ الذين يجوبون الأرض طولا وعرضا داعين إلى الله مبلغين الأمانة التي احتملوها في أعناقهم .. فالله حسيبٌ من ولغ في أعراضهم وخطّ بحقده ما يثلبُهم ويشوه صورتهم .. ومن الظلم: الحبس بلا تهمة ، أو اتهام الغير بلا دليل .. ومن الظلم الجَوْرُ في الوصايا والهبات؛ وتفضيلُ بعض الأولاد أو البنات .. ومن الظلم التقصيرُ في العمل ، وشهادةُ الزور، والنميمةُ بين الخلق وغيرُها كثير .. فاحذروا ذلك كلَّه واجتنبوه عباد الله وغالبوا أنفسكم على الصفح والعفو حتى تنالوا أرفعَ المنازل عند الله : يقول جلَّ وعلا يقول: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا يعفو عبدٌ عن مظلمةٍ، يبتغي بها وجه الله إلا رفعه الله بها عزًّا يوم القيامة).
ابحث
التعليقات
دعاء يدعو بة المظلوم على من
دعاء يدعو بة المظلوم على من ظلمة
حسبي الله ونعم الوكيل في من اذانى
اللهم بحق جاهك وجلالك وعزتك وعظمتك اللتى يهتز لها الكون
اللهم اسألك بعزتك اللتى يهتز لها العرش ومن حولة
اللهم انصرنى على من ظلمنى ..
أضف تعليقاً