wasateah
Global Forum for Moderation
Thus we have appointed you a middle nation, That you may be witnesses against mankind , And that the messenger may be a witness against you.
Number of Visitors page counter
الرقابة الشعبية في المجتمع الإسلامي
Friday, February 11, 2011 - 02:30

بعد تنامي حركة الشعوب وثورات ما يسمى بالربيع العربي أصبحت الرقابة الشعبية تتصدر حديث الساسة والإعلاميين، بعد أن غابت عن المجتمعات الإسلامية مدة طويلة في الوقت الذي كانت ثقافة سائدة في المجتمعات الغريبة منذ أن انطلقت الثورة الفرنسية تحمل شعار الحرية والإخاء والمساواة وتأسست في المجتمعات الغربية مؤسسات وجمعيات ومنظمات للمجتمع المدني تقوم بدورها الرقابي وتحسب الحكومات لها ألف حساب.
فما هي الرقابة الشعبية وما أشكالها وما ميزاتها؟ وهل عرف الإسلام هذا النوع من الرقابة وهل كانت ثقافة سائدة في المجتمع الإسلامي؟ هذا ما سأوضحه في هذه الورقة.
مفهوم الرقابة الشعبية:
يقصد بالرقابة الشعبية دور الشعب أو الأمة في رقابة أداء السلطة التنفيذية والتزامها بالقوانين والأنظمة المنبثقة عنها وفي التصدي لظاهرة الفساد بكل أشكاله.
وتوصف الدولة الحديثة بأنها دولة القانون والمؤسسات، والمسؤولية في الدولة الحديثة تعادل السلطة، فبقدر ما يتمتع به شاغل الوظيفة العامة من سلطات واختصاصات تكون مسؤوليته.
والرقابة على السلوك الوظيفي تأخذ عدة أشكال هي:
الأول: الرقابة الداخلية التي تمارسها أجهزة الدولة نفسها على سلوك هيئاتها والعاملين فيها مثل أجهزة الرقابة والتفتيش الإداري وهيئة مكافحة الفساد وغيرها وهذا ما يعرف في الفقه الإسلامي بنظام الحسبة والاحتساب.
الثاني: رقابة القضاء ومرجعيته للبت في صحة أو خطأ القرارات الإدارية عبر أجهزة القضاء المتنوعة.
الثالث: رقابة المجلس التشريعي النيابي الممثل للشعب على سلوك السلطة التنفيذية.
الرابع: رقابة الرأي العام عبر أجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية (ما يسمى بالسلطة الرابعة) ويدخل في هذا النوع رقابة المعارضة والأحزاب والنقابات والجمعيات وكافة مؤسسات المجتمع المدني.
وقد أعطى الدستور الأردني للمواطنين الحق في الرقابة على السلطة التنفيذية عبر حرية التعبير وتشكيل الأحزاب والجمعيات وعبر الأخذ بمبدأ سماع العرائض التي يقدمها المواطنون إلى السلطات فقد نصت المادة (17) على (للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون) . كما وضح النظام الداخلي لمجلس النواب إجراءات تقديم العرائض وتحويلها من قبل المجلس إلى اللجنة الإدارية التي تقدم قرارها إلى المجلس وما يصدر عن المجلس يحول إلى الجهة الحكومية المختصة ويكون قرارا ملزما، كما تأسس في الأردن ديوان المظالم للنظر في هذه الشكاوى والاعتراضات.

ومن أهم ميزات هذه الرقابة الشعبية:
أولا: أنها تحد من التسلط والفردية وتشكل ضابطا لسلوك الموظف فيحس بأنه ليس مطلق الحرية في أن يفعل ما يريد بل هو تحت المراقبة والمحاسبة والمسؤولية وهذا بلا شك من شأنه تحسين أداء الموظف وضبط تصرفاته حسب القانون لا حسب هواه الشخصي.
ثانيا: أنها تنمي الإحساس بالمسؤولية والمشاركة عند أفراد المجتمع بحيث يحس كل مواطن بأن له دورا في بناء المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالتالي فهي تسهم في خلق روح الانتماء الصادق.
ثالثا: اتساع رقعة هذه المراقبة وشمولها كل مرافق المجتمع لأنها لا تعتمد على جهد مؤسسة معينة يبقى دورها محدودا مهما كانت بل تشمل رقابة معظم أفراد ذلك المجتمع.

الرقابة الشعبية في الإسلام:
عند هذا الموضوع تقفز عدة أسئلة منها:
• هل وضع الإسلام نظاما للرقابة الشعبية كما تفعل الدول الديمقراطية الحديثة؟
• هل الحكم في الإسلام فردي وهل سلطة الخليفة مطلقة؟
• وهل أعطى الإسلام الحق للأمة الرقابة الشعبية على الدولة بكل مؤسساتها لمراقبة مدى تطبيقها لدستور الأمة والتزامها للقوانين والأنظمة؟
ومن خلال الإجابة على هذه الأسئلة تبين أن الإسلام قد عرف الرقابة الشعبية وأعطاها دورها في الرقابة وتحمل المسؤولية ومكافحة الفساد والخلل الذي تقع فيه السلطة التنفيذية في سلوكها وتطبيقاتها ويمكننا القول بكل ثقة أن الإسلام قد عرف الرقابة الشعبية وأكد على ضرورة قيامها بدورها الرقابي وقبل أن أتحدث عن مظاهر الرقابة الشعبية في الإسلام أود أن أؤكد على أن الحكم في الإسلام ليس فرديا بمعنى سلطة الخليفة المطلقة وأن الشورى ملزمة وليس للاستئناس كما يحلو للبعض أن يقول وأن الإسلام لم يحدد لقبا معينا للحاكم (الإمام، الخليفة، أمير المؤمنين، السلطان، الملك) كل هذه الألقاب وغيرها يمكن إطلاقها على من يتولى أمر المسلمين.
كما أن الإسلام لم يحدد طريقة معينة لاختيار الإمام والأمر الوحيد المتفق عليه هو قبول الأمة لهذا السلطان عبر ما كان يعرف بالبيعة بغض النظر عن طريقة وأسلوب هذه البيعة ونلاحظ تنوع طريقة الاختيار للخلفاء الراشدين فيمكن للأمة أن تبايع الخليفة مباشرة أو تختار من أهل الحل والعقد (بالانتخاب أو بالتوافق) من يؤدي هذه البيعة.
ومن أهم مظاهر الرقابة الشعبية في الإسلام:
- نظام الحسبة 
والحسبة عند الفقهاء أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله لقوله سبحانه﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر﴾ (التوبة: 71).
يقول ابن خلدون (أما الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين أن يعين لذلك من يراه أهلاً له).
والمحتسب وإن كان يعين من الحاكم إلا أن المسلمين كذلك عرفوا الحسبة الشعبية ويسمى صاحبها المطوع.
ونظام الحسبة أعطى للمحتسب حق الرقابة والمحاسبة لأي خلل أو فساد يراه المحتسب بغض النظر عن فاعله.
- الأمة مصدر السلطات
لقد أعطى الإسلام للأمة سلطانا في حقها باختيار من ينوب عنها في إدارة شؤونها، فقد جاء في المغني (من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته، ثبتت إمامته ووجبت معونته) وهذا يعني أن الأمة هي صاحبة الحق في اختيار الخليفة، كما أن لها الحق في محاسبته ومراقبته وعزله حال عدم استقامته.
فالخليفة في نظر الإسلام نائب عن الأمة يحكم باسمها وما أجمل ما قاله الماوردي ( وإذا كان تقليد الأمير من قبل الخليفة لم ينعزل بموت الخليفة، وإن كان من قبل الوزير انعزل بموت الوزير، لأن تقليد الخليفة نيابة عن المسلمين أما تقليد الوزير فهو نيابة عن نفسه).
والأدلة على حق الأمة في محاسبة الحاكم ومراقبته كثيرة منها الآيات القرآنية المطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها ). وقال صلى الله عليه وسلم( من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله).
والأحاديث النبوية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحذير من تركه كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ) وفي رواية (أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض).
وكان الخلفاء في الإسلام يدركون هذه الحقيقة ولا يتنكرون لها، فهذا أبو بكر يقول في خطبته عند توليه الخلافة (إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم).
وهذا عمر يقول (من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه) ويقول (الأخير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها) وقد رد أبو بكر الأمر صراحة للأمة حين قال( إن الذي رأيتم مني لم يكن حرصا على ولايتكم ولكني خفت الفتنة وقد رددت أمركم إليكم فولوا من شئتم).
-ومن أبرز مظاهر الرقابة الشعبية الدور الذي أعطاه الإسلام للعلماء حيث عرف التاريخ الإسلامي دورا بارز لعلماء المسلمين في محاسبة الحكام ومراقبتهم ومساءلتهم والتصدي لظلمهم أو انحرافهم أو فسادهم ومواقف العلماء في ذلك كثيرة في كافة العصور الإسلامية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

2/11/2011

د.محمد الحاج

 

Add new comment

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.

Search

Developed by Blue Ray for Web Solutions All rights reserve 2016 ©