wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
أزمة "الحوار" داخل المجتمعات المسلمة
الخميس, December 10, 2009

انتشرت كثير من وجهات النظر حول موضوع الحوار بين الحضارات وبين الثقافات وبين الأديان، وأول ما يتبادر إلى الذهن في طرح هذا الموضوع هو فكرة "الحوار مع الآخر"، وما له من أهمية في الوقت الحاضر، ولكن يغيب عنا في كثير من الأحيان أهمية الحوار بين أفراد المجتمع الإسلامي الواحد، والذي يعد نجاح الحوار مع الآخر مرهونا بنجاحه، مع إيلاء الأهمية الكبرى للحوار الأسري، باعتبار أن الأسرة هي اللبنة الأولى لقيام النشء. وقد ركز الإسلام على أهمية الحوار من خلال العديد من الآيات التي تجسد أهمية فكرة الحوار والأسس التي ينبني عليها.

     وفي الفلسفة يقال إن الحوار هو التفكير المشترك، وهو وسيلة للمحادث، وبالأصح هو محاولة للوصول إلى نتيجة من خلال تعبير عن وجهات النظر، وهذا بخلاف ما يعتقده كثيرون، وللأسف حتى المثقفين منهم من خلال وسائل الإعلام التي تنقل مستوى الحوار إلى مرحلة الشجار، مركزة في ذلك على كيفية ظهور الحوار بصورة تختلف عما يجب أن يظهر فيها، وكذلك النتيجة التي يجب التوصل إليها من خلاله، مع الإغفال في ذلك للقواعد والأصول التي يقوم عليها الحوار، التي من أهمها البحث في نقاط التلاقي بين أبناء الأمة الواحدة قبل البحث في نقاط الاختلاف، ومحاولة التعاون لتعزيز وتقوية النقاط المشتركة.
     يرى الشيخ سلمان بن فهد العودة في هذا الإطار أنه: "لا ينبغي أن نعلق بدء الحوار بانتهائنا من إصلاح أنفسنا، بل لابد من إطلاق الحوار على أكثر من مستوى؛ بمعنى الحوار داخل الإسلاميين، وبين الجماعات، وقادة الفكر والرأي.. عليهم جميعًا أن يزيلوا الحواجز، ويتحاوروا فيما بينهم، وأن يذيبوا الجليد. وكذلك الحوار بين شرائح المجتمع وأطيافه المتعددة، لأن هناك تيارات ومذاهب، وهناك من لا ينتمون إلى الإسلام، وهؤلاء أولى أن يتم التحاور معهم. وليس بالضرورة أن يكون الحوار في إطار "ادخلوا في الإسلام"، وإنما يكون على الأقل من خلال المصالح، ولنا أن ننظر كيف مات نبينا صلى الله عليه وسلم، ودرعه مرهونة عند يهودي؟! إذن فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحاور اليهودي على شعير يشتريه لأهله. وهذا يبصرنا على أنّ من حِكَمِ الله العظيمة أن المدينة لم تكن موطنًا خاصًّا بالمسلمين، ولكن سكن فيها عباد الأوثان واليهود والنصارى".
     من جهة ثانية يرى الدكتور عمر عبد الله كامل، وهو كاتب وفقيه ومفكر إسلامي سعودي معاصر، أن مشكلة الأمة الإسلامية اليوم ليست في ترجيح أحد الرأيين أو الآراء في القضايا المختلف فيها بناءً على اجتهاد أو تقليد، فالذي يحدث في هذه القضايا يدور بين الأجر والأجرين. ولكن مشكلة الأمة حقاً في تضييع الأمور المتفق عليها، مشكلة المسلمين ليست في الذي يؤول آيات الصفات وأحاديثها، بل في الذي ينكر الذات والصفات جميعًا. إن مشكلة المسلمين ليست في من يقول: استوى على العرش بمعنى (استولى) أو كناية عن عظمة سلطانه تعالى، بل في من يجحد العرش ورب العرش معاً.
    إن مشكلة المسلمين ليست في من يجهر بالبسملة أو يخفضها أو لا يقرؤها في الصلاة، ولا في من يرسل يديه في الصلاة أو يقبضهما، ومن يرفع يديه عند الركوع أو الرفع منه أو لا يرفعهما، إلى آخر هذه المسائل الخلافية الكثيرة المعروفة. إنما مشكلة المسلمين في من لا ينحني يومًا لله راكعًا، ولا يخفض جبهته لله ساجدًا، ولا يعرف المسجد ولا يعرفه المسجد".
     إلى غير ذلك من المسائل التي طرحها الفقيه، والتي يختلف فيها كثير من الناس ناسين في ذلك المسائل المهمة، غافلين عن حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها".
     إن بدء الحوار مع أبناء بني الأمة الواحدة، وتقبلهم والوصول معهم إلى توافق من خلال الابتعاد عن نقاط الاختلاف، يعد أهم من الحوار مع الآخر الذي يأتي في المرحلة التالية، ذلك أن نجاح الحوار مع الآخر لا يتأتى إلا بنجاح الحوار مع أبناء الأمة الواحدة على مختلف المستويات، بدءاً من الحوار داخل الأسرة الواحدة، ثم المجتمع، وصولاً إلى كل الأمة الإسلامية باختلاف مذاهبها وفرقها.

     ما يجمعنا الإسلام وما يفرقنا المذاهب ووجهات النظر، فأيهما أولى بالاعتبار وأيهما أقوى؟.

خيرة طهيري

* كاتبة جزائرية مقيمة في عمّان
مقول عن جريدة الغد الأردنية12 /6/2009

 

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.