wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
الصراع بين العلمانية والسلطة الدينية
الخميس, December 22, 2011

 

 أ.د. أحمد التل 

مقدمة:
   في ضوء ظهور أنظمة دينية إسلامية في إيران والسودان والصومال والعراق, وحصول الأحزاب والتنظيمات الإسلامية على نسب عالية في الانتخابات الحرة  التي أجرتها الأنظمة الحديثة في كل من تونس ومصر والمغرب, والدور البارز الذي تلعبه الحركات الإسلامية مع الثورات الشبابية لعام 2011 في سورية واليمن, والاعتصامات والمسيرات الاحتجاجية الأسبوعية التي تنظمها الأحزاب الإسلامية الأردنية في عدد من المدن الأردنية مطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد, رأيت من المفيد مناقشة الصراع بين العلمانية والسلطة الدينية في هذا المقال لتوضيح مفهوم العلمنة والصراع بينها وبين السلطة الدينية. 
فلا يزال مفهوم العلمنة بين أكثر المفاهيم سجالية وحساسية وغموضاً في الثقافة العربية بعد مرور ما يزيد على قرن ونصف القرن من تداوله وانتشاره. وقد تشكلت حوله ثلاثة مواقف أساسية : موقف الرفض الذي تتخذه معظم المؤسسات والحركات الدينية, وقد تتشدد في رفضها فتتهم مختلف العلمانيين ظلماً بالالحاد والكفر لتجنب النقاش حول هذا المفهوم, وموقف الحذر بعدم الخوض بهذه المسألة, وأخيراً موقف القناعة بضرورة العلمنة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من ضرورات تحقيق النهضة والتقدم. 

تعريف العلمانية:
   يقول المفكرون ان العلمنة نظام عام عقلاني ديمقراطي يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات في ما بينها وفي ما بينها والدولة على أسس مبادئ وقوانين عامة مستمدة من الواقع الاجتماعي والتاريخي الحديث وفي سياق الدعوة للعقلنة ولاعتبار المجتمع والشعب مصدر الشرعية والعمل على تأمين مساواة كل أعضاء المجتمع وفئاته من دون تمييز على أسس الدين والطائفة والجنس وغيرها من الانتماءات والخلفيات.
يقول عزيز العظمة إنه من غير الواضح كيف تم اشتقاق هذا التعبير, ويتساءل هل هو من العلم فيقال " عِلْمانية " أم من العالَمْ فيقال " العَلْمانية" ? فيرجِّح أن الاشتقاق الأول هو الأصح ويعتمده في دراسته; ويقول عزيز العظمة ان مصطلح العِلْمانية يوازي عبارة Secularism بالانجليزية المستمد من الكلمة اللاتينية »eeculum الذي أصبح يعني الاهتمام بشؤون هذا العالم الزمني المتميز من العالم الروحي. 

مبادئ نظام العلمنة:
  تشمل مبادئ نظام العلمنة ما يلي:-
- فصل الدين عن الدولة وضمان عدم تحيزها, فيتم تحييدها في الشؤون الدينية على أساس المساواة بين المواطنين والمواطنات كافة مهما كانت انتماءاتهم. 
- إلغاء الطائفية السياسية والحد من استخدامها في النزاعات السياسية.
- تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
- إقرار حق توحيد قانون الأحوال الشخصية بحيث تتم المساواة بين الرجل والمرأة وضمان حق الاختيار الحر بين الزواج المدني أو الديني أو كليهما معاً.
- اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر القوانين, فيتم تعديلها أو إصلاحها أو استبدالها لكونها نسبية غير مطلقة قابلة للتغيير, نتيجة لتبدل الأحكام والظروف , وانظلاقاً من الواقع المعيش, فلا يكون بمقدور السلطة الحاكمة أن تدعي الحاكمية بإرادة إلهية فوق المجتمع. 
- عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقلانية.
- تعزيز تعايش المذاهب والطوائف في إطار من الاحترام المتبادل. 
- تحرير الدين من سيطرة الدولة وإساءة استعماله لأغراض سياسية, وكذلك تحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية التي قد تسعى لفرض تفسيراتها على المجتمع بوسائل الإكراه والتفكير. 
  ولقد شدد دعاة العلمنة على واحدة أو أكثر من هذه المقولات. رآها البعض, خاصة في المشرق العربي أو الهلال الخصيب تحديداً, بديلاً للنظم الطائفية وتحولاً من الولاء للجماعات الطائفية والقبلية إلى الولاء للأمة والمجتمع ككل, وتثبيتاً للولاء القومي والاندماج الاجتماعي. كما شدد بعض دعاة العلمنة على المساواة أمام القانون, وخاصة في ما يتعلق بمساواة المرأة والرجل في مختلف المجالات بما فيها الزواج والطلاق والإرث في الحياة العامة, وهذه قضية تهم المجتمع العربي كافة. ثم هناك من ربط بين العلمنة والمنهج العلمي والعقلانية في تحليل الأمور. وفي العقد الأخير من القرن العشرين اعتبر البعض أنها ضرورية من أجل نشوء الديمقراطية التي نعاني غيابها في ظل الدولة التسلطية. يقول المفكر الفلسطيني عزمي بشارة: "إن مفهومي العلمانية والديمقراطية الليبرالية هما وليدا العملية التاريخية ذاتها. فالعملية التاريخية التي قادت إلى تحييد الدولة في الشؤون الدينية ... قادت أيضاً إلى الديمقراطية الليبرالية ... من ناحية أخرى إذا كان مصدر عملية التشريع في الديمقراطية ومصدر شرعية السلطة في الوقت ذاته هو الشعب ... تكون عملية العلمنة شرطاً ضرورياً لتوفر الديمقراطية". 

لماذا تهاجم الحركات الدينية الدعوة إلى العلمنة?
   حين تهاجم المؤسسات والحركات الدينية الدعوة إلى العلمنة لا يعني ذلك أنها تناقش هذه المسألة بموضوعية بغية تبيان سيئاتها وحسناتها أو كونها صالحة أو غير صالحة للمجتمع. على العكس من ذلك تماماً, تهدف إلى منع مناقشتها, فتصوب إليها رصاصاتها القاتلة باتهامها خطأ بأنها مفهوم مستورد من الغرب ولا علاقة له بالواقع العربي, وبأنها دعوة للإلحاد. وبقدر ما يميل موقف الرفض المتشدد في حكمه, بقدر ما نجد أن هناك ميلاً واسعاً بين المقتنعين بالعلمانية للحذر وتجنب المسألة خوفاً مما يسميه صادق العظم "ذهنية التحريم", وما يصفه نصر حامد أبو زيد ب¯"العداء" الذي يصل إلى حد التحريم ومأساة التكفير في زمن التفكير. لذلك يستدعي الاقتناع بالعلمنة الجرأة في الإعلان على أنها ضرورة قصوى للنهوض والعمل على إيصالها إلى الرأي العام على حقيقتها.

العلمنة ليست دعوة للإلحاد أو إلغاء الدين.
   ليس صحيحاً أن العلمنة دعوة للإلحاد أو إلغاء الدين أو التخلي عن الايمان أو التحيز لدين معين من موقع دين آخر. على العكس من ذلك, إن النزوع التاريخي لقيام مفهوم العلمانية جاء نتيجة لضرورات تأمين كل الحريات والحقوق الإنسانية ومساواة البشر بمعزل عن خلفياتهم أو انتماءاتهم, وأن يتم ذلك في مناخ من الاحترام والتسامح المتبادل. 

العلمانية مبدأ إنساني
  في الواقع أن العلمانية مبدأ إنساني وقناعة تمت تدريجياً في مختلف مجتمعات وحضارات العالم نتيجة لتحولات اجتماعية بنيوية ولتجارب إنسانية أصيلة في معاناة التحرر. وقد نمت في المجتمع العربي استجابة لمشكلات وحاجات أساسية متداخلة يستحيل الفصل بينها, ومنها الحاجة للاندماج الاجتماعي والسياسي في مجتمع مجزأ, والحاجة للمساواة بين المرأة والرجل, والحاجة للعمل بقوانين يتساوى أمامها كل المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم, والحاجة للحد من إساءة الدولة استخدام الدين لأغراض سياسية وفئوية وطبقية. ولا ريب في أن العلمانية متصلة بالصراع بين قوى السلفية الغيبية وقوى الحداثة, وبتبدل المفاهيم للقوانين والقيم من أقانيم ثابتة مطلقة مقدسة صالحة لكل زمان ومكان إلى مبادئ اجتماعية يصوغها الإنسان ثم يعيد صياغتها إنطلاقاً من موقعه ووضعه والتبدلات التاريخية. 

نظرة العلمانية للسلطة والحكم
  كذلك تبدلت مفاهمينا عن الحكم والدولة والسلطة من اعتبارها تجسيداً وانعكاساً لإرادة إلهية, إلى النظر إليها على أنها شرعية بقدر ما تمثل إرادة الشعب والمجتمع. لذلك يقول محمد عمارة حتى من منطلق إسلامي إن "الإسلام لا ينكر صبغ السلطة السياسية ومؤسسات المجتمع بالصبغة الدينية الخالصة, ويرفض النظرية القائلة بوحدة السلطتين الدينية والزمنية", مستعيناً بكلام الشيخ محمد عبده أن أوروبا لم تحقق نهضتها "إلا بعد أن فصلت السلطة الدينية عن السلطة المدنية", وأنه "ليس في الإسلام سلطة دينية" وأن " الأمة هي مصدر سلطة ... الحاكم", فهو مسؤول "أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته", وبناء على ذلك ينتقد عمارة مفهوم الحاكمية لله وحده: "فالقائلون - منا بالسلطة الدينية, مقلدون للغرب وكهانته الكاثوليكية ... ولا علاقة لفكرهم هذا بأصول الإسلام" , وبذلك نكتشف من خلال كلام عمارة أن فكرة السلطة الدينية هي المستوردة من الغرب المسيحي.
  ويذهب محمد عمارة أبعد من ذلك ليقول ما هو أقرب ما يكون إلى فكرة إميل دوركايم بأن الله هو رمز المجتمع, يقول عمارة إن الحديث "عن حق الله" إنما يعني "حق المجتمع" وأن القول بأن المال مال الله معناه أن "المال مال الأمة والمجتمع", ورغم هذه الحجج المقنعة واعترافه ب¯"تحول بعض "علماء" الدين الإسلامي إلى "رجال دين" , فزعموا لأنفسهم سلطاناً في "التحليل والتحريم", واحتكروا "لآرائهم صلاحيات الرأي الواحد. 
  ويرى حامد أبو زيد أن العلمنة ليست في جوهرها سوى تأويل وفهم علمي للدين وتحريره من عبودية القراءة النصية الحرفية وليست إلحاداً, بل فهم كما فهم الكثير من العلمانيين أن الدين يزدهر في ظل العلمنة ويفتقر روحياً وأخلاقياً في ظل التفسيرات الحرفية والتأويل السلطوي. لذلك يؤكد أن "العلمانية هي الحماية الحقيقية لحرية الدين والعقيدة والفكر وحرية الإبداع, وهي الحماية الحقة للمجتمع المدني... فهي التي تحرر الإنسان حتى من الاضطهاد الديني. ومن أهم مبادئ الفكر العلماني أنه لا سلطان على العقل إلا العقل... الأمر يحتاج لقراءة علمانية لا للنصوص وحدها, بل للتاريخ الاجتماعي للمسلمين وللواقع الذي تدور المعركة على أرضه. هنا تصبح "العلمانية" مطلباً ملحاً لحماية الإسلام ذاته, بدلاً من اللجوء إليه كمجرد ملاذ أو ملجأ أو مهرب". 

موقف الغرب من العلمنة
  يذكر حسن حنفي أن الحل في الغرب كان "الفصل بين السلطتين , الكنيسة لشؤون الدين, والدولة لشؤون الدنيا, وبالتالي العودة إلى قول المسيح: "أعط ما لقيصر لقيصر, وما لله لله". فما تم في العصر الحديث من الفصل بين السلطتين الروحية والزمنية هو عود إلى روح المسيحية الأولى... وقام العلمانيون في بلادنا منذ شبلي الشميل, ويعقوب صروف, وفرح أنطون, ونقولا حداد, وسلامة موسى, وولي الدين يكن, ولويس عوض وغيرهم يدعون إلى العلمنة بهذا المعنى الغربي, فصل الدين عن الدولة, والدين لله والوطن للجميع.
  ثم نسأل: هل التخلف هو الذي حقاً حَوَّل الإسلام إلى كهنوت, أم أن تَحَّول الإسلام إلى كهنوت هو الذي تسبب بالتخلف, أم أن العمليتين جاءتا متلازمتين ونتيجة لعوامل تاريخية واجتماعية أخرى? ولماذا اكتفى حنفي بذكر العلمانيين من النصارى باستثناء ولي الدين يكن (كما لو ظن أنه مسيحي), ولم يذكر عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد, واسماعيل مظهر, وطه حسين, وعلي عبد الرازق, واسماعيل أدهم, ومحمد أحمد خلف الله, وعبد الرحمن الشهبندري, وجميل صدقي الزهاوي, وخالد محمد خالد, ومعروف الرصافي, وعبد الله العروي, وصادق العظم, ومحمد أركون, ونصر حامد أبو زيد, وغيرهم? هل جاء اكتفاؤه بذكر العلمانيين من النصارى نتيجة لتلك النزعة لرفض العلمنة بإطلاق النعوت حولها تجنباً لمناقشتها عقلانياً? ثم إن العلمانيين من المسيحيين, كما يقول عزيز العظمة, لم يسلكوا مسلكاً مسيحياً في دعوتهم, بل سلكوا هذا المسلك العلماني "من موقع المثقف اللامنتمي طائفياً, فكان توجههم معادياً للطائفية" مسيحية كانت أو إسلامية. 

المجتمع يأتي قبل الدين
  ومن المعارك الأساسية التي خاضتها العلمانية محاولة بناء مجتمع يتجاوز نظام الملل والتجمعات الوسيطة من عشائرية وطائفية بين الأفراد والدولة والأمة فتعززت التيارات القومية والوعي القومي. ومن هنا القول بأن المجتمع يأتي قبل الدين وكان آخر ما نسب إلى رئيس جمهورية إيران محمد خاتمي الذي انتخب بأغلبية شعبية ساحقة قوله: "أولاً تأتي إيران, ثم الإسلام". ومع هذا من المفهوم أن الدين لا يعزل عن المجتمع بل هو في صميمه حصن من حصون الهوية في وجه التهديدات الخارجية ومحاولات الاحتواء. وربما ما كانت لتقوم الثورة الايرانية والحركة الخمينية لولا الاستباحة الأمريكية للوطن والأمة والهيمنة على المصير. وهذا ما يحدث حالياً في ما يتعلق بالعرب في العقد الأخير من القرن العشرين, والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين. 

موقف المسلمين الإيجابي من العلمنة في الدول غير العربية 
  هناك مسألة أخرى هي بغاية الخطورة ونادراً ما نعطيها حقها من التفكير, خاصة حين نبحث بالعلاقة بين الإسلام والعلمنة ومدى التناقض بينهما. وتتعلق هذه المسألة بموقف المسلمين الإيجابي من العلمنة حين يشكلون أقلية في مجتمعات متعددة الأديان. إنهم في هذه الحالة يتمسكون بالعلمنة على أنها تضمن لهم حقوقهم المدنية. يذكر جمال حمدان أن في العالم أكثر من 67 دولة فيها مسلمون (وكان ذلك في مطلع السبيعنيات) بنسبة أو أخرى, قد تبدأ من 1 بالمائة حتى 99 بالمائة, ومن هذه الدول 5 في أوروبا, و23 في آسيا, و39 في أفريقيا. هناك 29 دولة لا تخلو من أقليات غير مسلمة, ودول يشكل المسلمون فيها حوالي نصف سكانها مثل لبنان وأثيوبيا (قبل استقلال اريتريا التي تبلغ نسبتهم فيها خمسين بالمائة من سكانها) ونيجيريا وتشاد (ووصفها حمدان بدول الثنائية الدينية وتشكو بعضها من "ميزان الرعب الطائفي"), ودول تشمل أقليات إسلامية. وتؤلف هذه الدول أكثر من نصف دول العالم الإسلامي, وفي مثل هذه الدول "لا يمكن أن تكون للإسلام تطلعات سياسية فعالة , ولا يملك على الأكثر إلا رغبة انفصالية مكبوتة لا أمل في تحقيقها. وما يزيد من تعقيدات هذه الأمور أن 85 بالمئة من المسلمين هم من غير العرب, أي أن العرب المسلمين لا يشكلون سوى 15 بالمئة من مسلمي العالم, ففي الصين مسلمون أكثر مما في إيران أو مصر أو تركيا, وفي الهند مسلمون ضعف ما في مصر. 
  وبين أهم جوانب هذه المسألةأن نتساءل: كيف يكون موقف المسلمين كأقليات من العلمانية? وندقق النظر بمثل حسي. من الأمثلة الحسية في الوقت الحاضر اريتريا التي أعلن مفتيها الشيخ الأمين عثمان أن "العلمانية ضرورية في اريتريا لوجود المسلمين والمسيحيين معاً ... ويجب النظر لاريتريا مشتركة بين المسلمين والمسيحيين ... ورئيس الدولة (حاليا) مسيحي .. فهي دولة علمانية تحتضن كل الأديان بدرجة واحدة, وليست دولة دينية". وفي فرنسا قال مفتي مارسليا إن الإسلام لا بد من أن يتخلى عن فرضيات مكانته كدين الأغلبية في الدولة, وأن يتعلم كيف ينسجم مع القوانين العلمانية إذا ما أراد أن يعيش بأمان في أوروبا. عليه أن يتخلى عن طقوسه كي يعيد اكتشاف جوهره الحقيقي. 
  بعد كل ذلك يحق لنا أن نتساءل كما تساءل جمال حمدان في السبعينيات حين كانت الأحوال أقل سوءاً مما عليه في التسعينيات : "أليس هناك , إذاَ, دولة أو دول دينية بمعنى الكلمة في عالم الإسلام اليوم?", ونجيب معه بوضوح كما أجاب هو منذ حوالي ثلاثة عقود أنه من المؤسف الشديد "أن النظم السياسية القليلة التي تتخذ من الإسلام بالفعل أساساً للحكم والسلطة ليست إلا ثيوقراطيات رجعية متخلفة متحجرة تمثل ربما أسوأ دعاية ممكنة لفكرة الدولة الدينية. وبعض هذه الدول الثيوقراطية تدهورت, إلى أدوات للقهر السياسي وتكريس التخلف والجمود, وإلى قوى سلفية تسعى إلى العودة إلى الماضي وتعادي التطور باسم الدين".

تعريف الثيوقراطية:
  ما المقصود بالثيوقراطية? على ذلك يجيب سمير أمين بقوله إنها "تعني حكم الله, وبالتالي فهي القاعدة في المفهوم السلفي في اليهودية وفي الإسلام بحكم الطابع الشامل والتفصيلي والمقدس للشريعة... هذا هو ما يدعو إليه اليوم أنصار "ولاية الفقيه". فالثيوقراطية في الإسلام وفي اليهودية لا تتطلب وجود رجال دين منظمة, إذ أن المفروض هو أن الدولة نفسها تقوم بهذا الدور - تطبيق الشريعة... ويبدو واضحاً أن هذا المفهوم السلفي للعلاقة بين الدين والمجتمع في الإسلام وفي اليهودية يتعارض تماماً مع مقتضيات الديمقراطية بالمعنى الحديث, إذ أن مضمون مبدأ الديمقراطية هو أن الناس مسؤولون عن صنع القوانين التي يرونها صالحة ومفيدة لهم, وبالتالي هم المسؤولون عن صنع تاريخهم. 
  ونسأل بعد ذلك: هل من صحوة أم كبوة دينية? قال محمد آركون لا تزال العلمنة "مسألة حاضرة وملحة في ما يخص العالم العربي والإسلامي بشكل عام" , كما أنها تطرح نفسها في الغرب "ولكنها بالطبع ملحة أكثر في أرض الإسلام, وذلك من أجل تشكيل الدولة, بالمعنى الحديث لكلمة دولة", وهي تتألف من مجتمعات "لا تزال عتيقة البنى والهياكل في معظمها.

الغد: 22/12/2011

 

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.