تهاني روحي حلمي
عاد موضوع تجدد الخطاب الديني بقوة عبر عدة فضائيات عربية في ظل تفجير الكنائس في مصر، ولعل ما استوقفني هو احدى الفضائيات المصرية التي استضافت في حلقة ممتعة نوعا ما، ضيوفا متعددي الاهتمامات والاتجاهات، وكانت حلقة ساخنة في الاصرار غير المسبوق على تجديد الخطاب الديني، وتجديد المناهج وتطويرها، وسارعوا لوضع آلية للتنفيذ على الهواء، بديلا مما سمعناه وقرأناه طيلة الايام الماضية عن توجيه اصابع الاتهام تارة الى الاخفاق الامني ومرة الى الجهة التي نفذت الهجوم.
جاءت تفجيرات الكنائس في مصر، لتدق ناقوس الخطر من جديد حول استمرار البعض بالربط بين التضحية بالنفس وقتل الأبرياء، وبين الادعاء أن ذلك يمثل عملاً بطولياً يكافئنا عليه الله. وهنا تُطرح العديد من التساؤلات حول ما هي القواعد التي يستند إليها هذا الفكر التطرفي، وهل تجديد الخطاب الديني والآليات التي اتخذت منذ عدة سنوات كانت كافية للتصدي لهذه الظاهرة المتجددة؟
إزاء ما نرى من تعصب راسخ وتفرقة قائمة على الدين أو العقيدة، يجب ان نقرّ اولا بالحاجة إلى عمل راسخ من قبل المجتمع الدولي لخلق بيئة يستطيع فيها الأفراد من ذوي العقائد المختلفة أن يعيشوا حياة خالية من العنف والتفرقة. وهذا يتطلب منا تبني ثقافة تقر بالطبيعة المقدسة للضمير الإنساني، طبيعة تمنح الحق لكل فرد في البحث الحر وتعزز الحوار السلمي والانفتاح على الاخر.
حق الحرية في المعتقد مرهون بكشف الأفكار الجديدة وبالقدرة على مشاركة المعلومات وتبادلها، وهذا ما نعني به في الحوار مع الاخر، ولطالما بقيت المعتقدات اسرارا فمن السهولة ان تكون مرتعا لنقل الخرافات، ولهذا فان اي دولة لا تستطيع أن تمنع النقد والنقاش الصادق حول مسائل الاعتقاد الديني.
لذا، فان الاسراع بعد كل عملية ارهابية بتغليظ القوانين وكتم الحريات ليس هو الحل. بل إن إقرار القوانين العادلة التي تضمن الكرامة والمساواة في الحقوق لجميع المواطنين والمقيمين على ارض اي دولة، هو الذي من شأنه أن يرسي الأساس المتين لمجتمع منفتح على الاخر. فحيثما طُرحت أراء حول الدين، فعلى أقل تقدير يجب على الجميع أن يمتلكوا الحق في الاستجابة، وذلك بأسلوب سلمي وقانوني حتى يتسنى للعموم أن يصلوا إلى استنتاجاتهم الشخصية. وهذا يستدعي سياسة وقائية طويلة الأمد لمحاربة ازدراء الأديان والعقائد، منها التركيز على تربية الأطفال اولا والمناهج الدراسية ثانيا، فبهذه الطريقة يمكن أن يعد جيل كامل لمواجهة قوى الجهل والتعصب التي تنخر في بنية المجتمع الفكرية والاجتماعية، وعندها لن ننادي بتجديد الخطاب الديني.
بالإضافة إلى الدول، تقع على عواتق قادة الأديان مسؤولية عظمى لمنع الممارسات الازدرائية حتى لا يصبحوا هم أنفسهم عوائق في طريق السلم والتفاهم المشترك. بل عليهم أن يرشدوا أتباعهم؛ قولاً وفعلاً، إلى التعايش السلمي مع أولئك الذين يفكرون ويتصرفون بطريقة مختلفة. ففي مجتمع متعدد الأديان لا بد من الاعتراف بأن الالتزامات المفروضة على جماعة دينية معينة هي ليست ملزمة لأشخاص لا ينتمون إلى هذه الجماعة ما لم يكن مضمون هذه الالتزامات متجاوبًا مع حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا.
ابحث
أضف تعليقاً