د.مصطفى المسعودي
مهداة إلى الأستاذ. محمد طلابي العائد إلى الذات بعد اغتراب طويل ورحلة من قيادة اليسار الى فضاءات الإسلام.
سَيِّدي .. يَا منْ عانَقَ الشَمس في صَمتٍ
ثمَ ألْقَى نفْسهُ قُنْبلة ً في قلْبِ الجَليدْ.
هنيئاً .. هنيئاً .. هنيئاً لكَ عيدُكَ
في ذِكْرى المِيلادِ الجَدِيدْ.
هَنِيئاً .. هَنِيئاً إذْ وَصَلْتَ
إلَى شَاطِئِ الجُزُرِ الكُبْرَى
بعْدَ إبْحارٍ .. وِإصْرَارٍ .. وإرْهَاقٍ شَدِيدْ.
الآنَ تُغَني العَصَافيرُ بينَ يَدَيْكَ
الآنَ تخرُجُ حُورياتُ البَحْرِ إِلَى شَاطِئ البحْرِ
وتَهْدِي إِكْلِيل الزَهْر إليْك.
الآنَ تَكْبُرُ أشجَارُ الزيتونِ في عَيْنَيْكَ
وتَكْبُرُ قَامَات الوَطَنِ
المَفلُولِ باللِّظَى والحَدِيدْ.
سَيِّدِي .. هَلْ تَسمَعُ الآنُ صَهِيلَ الخَيْل
تَزْدَانُ بِهِ أكْوَاخُ المُسْتَضْعَفِينْ؟
هلْ تسْمعُهَا تَبْكِي
وتُغَنِي .. وتُغَنِي .. وتُغَنِي ..
حينَ تمرُ قَريبًا منها، أنتَ، مِثْلَ ملاَكٍ أمِينْ؟
هل تَسْمَعُ الآنَ انْبثاقَ الموَجِ
من قلْبِ الصحراءِ العَطْشى في قُلُوب المَلاَيَينْ.
سَيِّدي .. سَاختْ أقدامُنا في هذا المَدَى
الحجَري زمَانًا،
واغتربْنا عنْ دائرةِ النور فينَا منَذُ سِنينْ.
أزيَدْ من نِصْف قَرْنٍ
ونحنُ نُهَرْولُ خَلْفَ الشِعاراتِ الفَارِغَة ..
تَتَقَاذَفُنَا أمْواجُ التغْريبِ
ذاتَ اليَسَار وذاتَ اليمينْ
شاخَ الكهْفُ من حوْلِنا
والشمسُ ما زَارتْ أجْسادَنا منْذُ سِنينْ
قدسنَا الغرْبَ طَويلاً
ولما مَاتَ الغرْب .. قدسنا الشرقَ طوِيلاٌ
ولما مات لِينِينْ ..
عَدْنا مرةً أخرى، نبحث عنْ صَنَم آخَرٍ
في خُرافاتِ اليَمِينْ !! .
أزْيَدْ منْ نِصفِ قرْن ٍ
ونحنُ نَدُورُ هَكَذا في دائِرة مُغلقة.
فجَّرِِْنَا كل الشعاراتِ الجوْفَاءْ.
َرددنا كل الوُعُود الخَرُقَاءْ.
ثم كان الخِتام عَجِيجًا منْ دون طَحِينْ.
فقَدْنَا كُل شيء ..
فقَدْنا ماء الوَجْه
فقَدْنا ماء الجَبِينْ
وفَقَدْنا فِلسْطين.
أشْعلنا النار في أنْفسِنا
ثم انْكفأنَا نبْكي على أَنْفسِنا
في ذُل حَزِين
هَكَذا .. يا سَيِّدي صَارت سَاحَتُنَا
مَسْرَحًا للهَجِير وللطُغْيانْ ..
وجُيوشُ الرُّومِ تُحَاصِرُنَا من كُل مَكَانْ
هكذا صِرْنَا أمْثولَةَ العَالَمِ،
هكذا صِرْنَا مَهْزَلةً في هَذَا الزمَانْ
حَطَبًا ذَابِلاً فِي زَاوية النسْيانْ
جِسْمًا بلاَ رُوحٍ .. بِلاَ قَلْبٍ .. بِلاَ لِسَانْ
ِقطْعَة مرْمِيَةً في سِجلِّ الزمِانْ.
َوردَةً ذابلةً .. دون فَضَاءٍ .. دون هَوَاءٍ ..
دون سَماء .. دون ماءٍ .. دون بستانْ .
فانهضْ أنْتَ .. انهضْ أيها الرجلُ
الطالِعُ من عالم الغيْب مثل البُرْكان
انهضْ كالصَّقْرِ الجَارحِ
انهضْ، واضربْ بِجناحيْك في كل مكَان
انهضْ .. فلا زال في القلب مُتَسعٌ للأحْرار
لاَزال في القلب متسع
َحتَى وإنْ كان هذَا القلبُ مليئاً بالأحزَانْ
انهضْ .. فاليومَ سنَصْطفُّ خلفَ الرسول الأَعْظمِ
مثل جُنُود سُليمانْ ..
تيارًا هائلاً .. رائعًا .. مُثْقَلاً بالأَلْوانْ .
اليوم سنَزْحفُ نحو المدَى كالبُركانْ
سنموتُ حتْمًا أو رُبمَا،
لكن قْطعًا، من قَبْرنَا، سيُولد في أرْضِنَا
كائناً أسْطورياً اسْمه الإنسانْ
فانهضْ، يا أيها الطالعُ من عالم الغيْب كالبُركانْ .
فوداعًا يا دُنيا الذُّل .. يا دنيا الضياع .. يا دُنيا الخَرابِ.
واشوقاهُ إلى الجنة
واشوقاهُ إل مَا فِيها
من جِمَاٍل ودَلاَلٍ وكَمَالٍ .. وَصَوَابِ
يَا فرْحتِي .. وأنَا واقفٌ قربَ مملكة النُور
أرْقُبُ فتْحَ الأَبْوَابِ
آهٍ .. قلْبي يَكادُ ينشقُّ شوقاً إلى الأحْبَابِ
خُذْني يا طَائِرَ الليلِ خُذْنْي ..
خذني .. فهذا الزَمان ليسَ زَمَاني
وليس زَمَانًا لأصْحَابي.
خذني .. أرِيدُ أن أقْرأَ الآن كِتابي
مَا في الدنيا مَا يَشُدُّ المَرْءَ،
خذْني يا طَائرَ الليْل .. ما عُدْتَ أقوى
على العْيشِ في هذَا الزمان الخرَابِ
لاَ .. لاَ .. لاَ .. أنَا لستُ مجنون َ هذَا الزمَانْ .
وأنا ما فَقََْدْتُ صَوَابي
مَا رآني الناس أمْشي فِي الشارع
مجنوناً، أمَزِق أثْوابي.
ما رَآني الناس أمد يَدي لمُصافحة الموْتى والكِلاَبِ
لكن مَأسَاتي أني لا زلتُ
أحلمُ أن أحْيَا في بلادٍ أتَصَورُهَا
مَلْأَى بالإِنسان
مَلْأَى بالرَّيْحان .. مَلْأَى بالقِبابِ .
في بِلادٍ أتَصَوَرُها تدْخل التاريخ
من أَوْسعِ الأَبْوَابِ.
يَا إلهي .. الآن أمُدُّ عُيُوني نحْو المَدَى
أُبْصِرُ أفْواجًا من رِجَال ونِساءٍ وشيُوخٍ ..
وأطْفالٍ وشبَابِ.
أُبْصِرْ الرسولَ الأَعْظَمْ ..
والفَارُوقَ .. والمهْدي .. ويوسُفَ .. والخَطابي ..
أسمَعُ التكبير والتهليل ..
وبينَ الجُموع العُظمى أرَى كل أَحْبَابي
وكُل الذين أحَبُّوا الإسْلامَ والوَطَنَ
والنّاسَ إلى حَدِ الاِغْتِرَابِ.
وأرَى .. وأرَى .. وأرَى ..
رَجُلاً هادئَ القَسَمَاتِ .. طَويل القَامَة
بَاسِمَ الوَجْهِ
اسْمهُ الكَاملْ: آمحمد طَُلاََّبي.
البيضاء: 12/11/1998
ابحث
أضف تعليقاً