محاضرة للداعية سلمان العودة
إن الحمد لله نستعين به ونستغفره ونتوب إليه أصلي وأسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرةً من خلقه سيدنا ونبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم وصلى على أصحابه، الذين قضوا بالحق وكانوا يعدلون رضي الله عنه وعن أمهات المؤمنين وعن الخلفاء الراشدين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم السلام عليكم أيها المؤمنون ورحمة الله تعالى وبركاته،
كم أنا سعيد في هذه الليلة بل في هذه الأيام لزيارة هذا البلد الإسلامي العريق الذي كنا نسمع عنه كثيراً في عرض المحيط ونسمع عن أداء التوحيد الذي يتردد في أجوائه ونسمع عن الإسلام الذي انتظم جميع أفراد هذا الشعب المبارك فهي سعادة غامرة أن يكتب الله تعالى لنا أن نصلي في هذا البلد وأن نلتقي بأهله وأن نتحدث إليهم في هذه الليلة المباركة.
إنني أشعر بعظمة هذا الدين وأشعر بعظمة الجهد الذي بذله السابقون اقتداءً بسيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم في الجهد الكبير الذي بذلوه في الدعوه إلى الله سبحانه وتعالى حتى أوصلوا صوت الإسلام ورسالة الإسلام ودعوة التوحيد إلى مناطق نائية وإلى جزر نائية وإلى مشارق الأرض ومغاربها تحقيقاً لوعد الله عز وجل حين يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ يقول ربنا عز وجل:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان الإيمان بالثريا لناله رجالٌ من هؤلاك وأشار إلى سليمان الفارسي ومن حوله)، ولهذا ذهب كثير من المفسرين أن قوله سبحانه وتعالى:﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ﴾ يعني من غير الأميين من غير العرب الذين وحدتهم كلمة لا إله إلا الله مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وطبائعهم وثقافاتهم وعاداتهم لكن وحدتهم هذه الكلمة فاندمجوا في أمة واحدة كأنها جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
لقد بُعث النبي صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم في هذه الرسالة الخاتمة التي من أبرز سماتها وعلاماتها أنها دين الوسطية، والوسطية لفظٌ محمود في القرآن والسنة فيقول ربنا سبحانه:﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾، ويقول مفسرون الأمة الوسط هم العُدول هم الخيار، وهكذا أذن الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بأنها أمة وسطية وليس المقصود بالوسطية التوسط في جانب الطموح، فإن هذه الأمة أمة لديها طموح أن تتفوق وأن تتقدم وأن تكون هي أول من يطرق باب الجنة، حتى قال النبي عليه السلام (إذا سألتم الله فاسئلوا الجنة فاسئلوه الفردوس الأعلى من الجنة، فإنه أعلى الجنة وسقف الجنة وفوق عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)، إذاً المسلم الحق يطمح أن يكون متقدماً متفوقاً في عقله وتفكيره، متفوقاً في علمه ومعرفته متفوقاً في نظامه وانضباطه، متفوقاً في نظافته وجماله متفوقاً في وحدته وانسجامه، كل المسلمون يجمعون على أن الوسطية معنى فاضل ومحمود بغير خلاف من السابقين واللاحقين ولكنهم يختلفون في تحديد مفهوم الوسطية وما هي الوسطية وربما كل فئة من الفئات تحاول أن تجعل نفسها هي الوسطية، ولذلك من أفضل مضامين السنة النبوية التي تحدد معنى الوسطية.
إن هذا الدين يسر، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفة اليسر في الإسلام وهذا ما جاء به القرآن الكريم ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ﴾ إذاً من الوسطية فهم الدين في أصوله وفروعه وأحكامه على أنه دين ميسر متوافق مع طبيعة الناس متوافق مع الفطرة.
يقول عليه الصلاة والسلام (ولن يشد الدين أحده إلا بمثله) وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النص يشبه الدين بالحبل الذي يربط الناس بدينهم وقيمهم وبآخرتهم وبربهم جل وعز وأن هذا الحبل في دائرة الوسط والإعتدال وقد علم الله سبحانه وتعالى أن من الناس قد يكون عنده شدة في أخذ هذا الدين ولا يكفيه القدر المعتدل، ولذلك يكون عنده نوع من الرغبة ليشد هذا الحبل بقوة فيقول النبي عليه السلام (لن يُشاد الدين أحد إلا عليه الدين) يعمل على أن يشد هذا الدين بقوة خارج المعتاد، أي يبقى الدين كما هوه دين يسر ودين سماحة ودين وسطية.
إن المشادة بالدين أن يأخذ بعض الناس نصاً من النصوص القرآنية أو نصاً من النصوص النبوية وكأنه لم يأتِ عن الله أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا هذا النص، فيعتني به ويتكئ عليه ويبدأ ويعيد ويكرره مرة بعد أخرى، حتى يغلب عليه هذا النص وربما جعل في النص معاني لم يردها الله عز وجل ولم يردها النبي صلى الله عليه وسلم.
من المشادة بالدين ما يتعلق بجانب الغلو بالعبادة إن بعض الناس ربما يغلوا ويشقوا على أنفسهم، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوجد جيلاً مربوطاً، فقال ما هذا فقال ما هذا الحبل؟؟ فقالوا: يا رسول الله هذه فلاة تصلي وفي فترة تعلقت في هذا الحبل من شدة رغبتها بالعبادة وهي تريد القربة من الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماهذا؟؟ حُلوا.. فكوا هذا الحبل) لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
المشادة بالدين ما يتعلق بجانب الإعتقاد وغالباً بعض الناس الدين شيء يخصهم هم، منهم يحاولون أن ينفوا أو يبعدوا الآخرين عنه، بينما الدين دين الله عز وجل وعنه نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياته عليه السلام وهي(23) سنة قضاها بعد البعثة لم يخرج أحداً ممن دخل فذ هذا الدين حتى أولئك المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر داخل نفوسهم، النبي عليه السلام كان يعاملهم ظاهراً معاملة المسلمين وإذا اشتكى منهم أحد الصحابة وقال إن فلان منافق يقول كذا ويعمل كذا، يقـول النبي: (أليس يصلي؟؟ فإذا قالوا نعم يصلي قال إني أذنت عن المصلين، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء فيها أحدهما) يعني من حكم على أخيه المسلم بالكفر فهو أولى أن يكون هو الكافر من ذلك الإنسان الذي حكم عليه إلا أن يكون يعلم ذلك علماً يقينياً وهذا لا يتحقق إلا لأهل العلم والمعرفة والإيمان.
حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري في الدعوة إلى اليمن كان في ذلك إشارة إلى أن رسالة الإسلام رسالة عالمية ليست محدودة بمكة أو المدينة أو جزيرة العرب وإنما هي كما قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾ فبعث معاذ وأبي موسى ضمن مجموعات إلى بلاد مختلفة وكان من وصية النبي عليه السلام لمعاذ وأبي موسى أن قال لهم (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) فأمرهم بثلاثة أمور الأول اليسر وعد العسر في الدعوة إلى الله تعالى، والثانية التبشير وعدم التنفير يعني عدم تنفير الناس من الإسلام أو الدعوة، وإنما تبشير الناس ومحاولة تقريبهم إلى الخير وتسهيل الوصول إلى الخير عندهم، والأمر الثالث أن يطيع بعضهم بعضاً ولا يكونوا مولعين في الإختلاف فيما بينهم.
سبحان الله، حين ننظر على جزر المالديف وكيف دخلها الإسلام، ربما علينا أن نتذكر قصة يوسف البربري عندما جاء إلى هذه البلاد في القرن الخامس وكان أحد الأسباب والسبب الأول بعد فضل الله تعالى في دخول الإسلام هذه الجزر العظيمة النائية البعدية، وهكذا أستطيع أن أقول أن في كل بلد من بلاد العالم هناك يوسف ظاهر أو خفي كان هو السبب بعد الله تعالى في وصول الإسلام إلى تركيا وروسيا أو إلى أجزاء من أوروبا أو إلى المغرب العربي نفسه أو الى مصر واو الى الشام او الى العراق او اليمن او اي بلد إسلامي آخر كان هناك أشخاص قيدهم الله تعالى لحمل هذه الدعوة، لابد أن هؤلاء القادة الذين أستطيع أن أسميهم الأبطال القوميين لبلادهم، لأنهم قدموا للبلاد الذي دخلوا فيها أفضل ثروة قدموا لها القرآن الكرمي وقدموا لها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم قدموا لها الأخلاق قدموا لها طريق النجاة قدموا لها طريق الجنة قدموا لها هذه العقيدة الصحيحة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون هي خاتمة الرسالات والأديان.
لابد أن هؤلاء الرجال الأبطال كانوا قد اقتبسوا لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى الأشعري، فكانوا يتميزون باليسر والسماحة والأخلاق الكريمة التي حببتهم بالناس، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وكما قالت عائشة رضي الله عنها حينما وصفت أخلاق النبي عليه السلام قالت: كان خلقه القرآن وكان النبي عليه السلام كأنه قرآن يمشي على وجه الأرض، فما رأى الله تعالى به فعله وكان الرسول عليه السلام قدوة في أعماله وسلوكه وأفعاله وأخلاقه وجميع شؤونه وكذلك أصحابه كانوا يتميزوا بالتيسير وعدم التعسير.
إنني أشعر أن سمعة الإسلام في خطر حتى عند المسلمين فضلاً عن غير المسلمين بأمس الحاجة أن يقدم الصورة الإيجابية الصحيحة لا نريد أن يُقدم الإسلام بصورة خارجة عن ذاته، وإنما نريد أن نقدم الإسلام بصورة الإسلام التي بُعث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم دون أن نسمح لمبرراتنا الخاصة أن تؤثر في هذه الصورة، نحن نجد أن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما خرج عليه بعض الصحابة مثل عمر بن الخطاب أن يقتل المنافقين الذي ظهر نفاقهم ومؤامراتهم على الإسلام والمسلمين كان النبي عليه السلام يرفض ذلك ويقول لا، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه المقصود بالناس هنا غير المسلمين أو زعماء الإيمان أو المنافقون الذين ينتظرون أي فرصة حتى يشوهوا صورة الإسلام، ومن هنا أقول يجب علينا أن نقوم بالدعوة لله سبحانه وتعالى وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام صورة الأخلاق الفاضلة صورة العدالة صورة الهدوء والعدل.
يجب أن نتذكر في نهاية هذه الكلمة قول الله عز وجل﴿ َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أن نتئسا برسول الله صلى الله عليه وسلم في عبوديته لربه، أن نتئسا في تواضعه للخلق، أن نتئسا في حمله هم الدعوة، أن نتئسا بالرسول بالعبادة والإعتدال والعقيدة والعلم والعمل والدعوة وكل أساليب الحياة.
ويجب أن أشكر وأقدم جزيل العرفان لشعب مالديف الطيب لما رأينا منه الأخلاق الفاضلة الجميلة ورأينا منه الوفاء لهذا الدين، وحكومة هذا البلد الطيب أيضاً التي تتناغم مع توجه الشعب، ووزارة الشؤون الإسلامية التي استضافت هذه المحاضرة ونظمتها ورتبتها.
إنها فرصة لنا أن نعبر عن سرورنا الكبير ونتمنى أن يتكرر اللقاء وهذه المناسبة، وأن تكون هذه فرصة لكي نتعرف عليكم فيها وأن يتقبل الله منا ومنكم وأن يجمعنا مرة أخرى وفي لقاء آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منقول عن الاسلام اليوم
ابحث
أضف تعليقاً