اختط حزب العدالة والتنمية خطاً جديداً في الحكم، حيث أنه فهم المعادلة الداخلية والخارجية لتركيا..
من ناحية إن هذا الحزب امتداد لشرعنة الحزب الذي تم حظره من قبل الجيش والمحكمة العليا في تركيا، وهما المؤسستان الحاكمتان في تركيا في ذلك الوقت، ومن ناحية اخرى إن هذا الحزب أوجد معادلة جديدة في الإسلام السياسي.
الواقع الداخلي كما ذكرت معقد جداً بالنسبة لحزب إسلامي المبادئ في دولة علمانية؛ فأعاد حزب العدالة والتنمية طرح افكار جديدة من شأنها التعامل مع واقع تركيا المعقد وتجاوز حكم الجيش والمحكمة العليا، فقام بالاندماج مع المؤسسات العلمانية، ومحاولة التأثير بالشارع لكسب اجواء سيادة القانون في تركيا، واستغلال مبدأ حكم الشعب لنفسه، وقام هذا الحزب بمحاولة تجنيد الشارع التركي لصالحه؛ حيث عزز مبادئ الاسلام في هذا الشارع التركي الذي غرست فيه مبادئ أتاتورك العلمانية، ولكن استطاع الشارع الوقوف بوجه الجيش التركي والمحكمة العليا والقضاة.
ما عزز دخول هذا الحزب في هذه اللعبة المعقدة في تركيا هو دمج الاسلام في واقع تركيا المعقد ودمجه في المؤسسات العلمانية، حيث لم يحاول ادخال او استعمال فكرة "الإسلام هو الحل" وهو البعبع الذي تخشاه الانظمة الحاكمة عندما يدخل اي حزب اسلامي في السلطة، لذلك تجنب طرح ذلك في برنامجه، وترك ذلك للشعب.
واقتصر الحزب على التنمية الاجتماعية للشعب والاقتصادية ومواجهة أعدائه الداخليين اقتصاديا واجتماعيا، حيث نافسهم على القواعد الاجتماعية، وهو الآن يبدأ في حصاد نجاحه على الصعيد الداخلي، حيث نرى صمود هذا الحزب امام محاولات الانقلاب عليه من قبل المؤسستين اللتين تمسكان بلواء الدفاع عن علمانية الدولة التركية.
نجح هذا الحزب بفهم صعوبة دخول الأحزاب الاسلامية ببرامجها التقليدية في الحكم..
نجحت مؤسسة الجيش التركي بالانقلاب على حكومة نجم الدين اربكان وذلك لضعف الحضور الجماهيري، وضعف القيادة لهذا الحزب وضعف انجازاته واستعجاله خوض المعركة الداخلية في تركيا.
تركيا تعيش تحديات خارجية كثيرة تؤثر علي الوضع الخارجي ساهم الحزب في حلها، مثل مسألة التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل والذي يؤدي الى مشاكل مع دول عربية اخرى واسلامية ومسألة الأرمن التي تستخدم كثيراً لابتزاز تركيا، وكذلك مشكلة المياه، ومشكلة انضمامها للاتحاد الاوروبي والناتو.
بعد دخول الحزب للحكم فقد الأمل من الاتحاد الاوروبي ولكنه لم يغلق الباب، بل خلق لنفسه عمقاً استراتيجياً جديداً يناسب مكانته الاسلامية وموقعه الجغرافي، استغل الضعف العربي والاسلامي والنفوذ الايراني والاحتلال الاميركي للعراق وأفغانستان كما استغل حالة اللاحرب واللاسلم بين سورية وإسرائيل لكي يجعل من نفسه وسيطاً بينهما، وخلق من نفسه دور النصير للمسلمين بصورة رئيس الوزراء اردوغان الذي دائما ما يظهر وهو يهين الاسرائيليين وينتقد حصار غزة، بذلك يخلق لتركيا عمقاً جديداً ونفوذاً قوياً وحلفاء جدداً.
خلق تحالفاً جديداً مع ايران لم يكن موجودا بسبب علمانية الدولة التركية والتحالف القوي مع اسرائيل، أما وان هذا التحالف مع اسرائيل ضعف ولو صورياً فتم ايجاد تحالف ضمني او تكامل بين ايران وتركيا.
كذلك الحال مع سورية التي كانت العلاقات معها ليست بالقوية بسبب العلاقة مع اسرائيل فقد قويت الآن اكثر فاكثر بقدوم حزب العدالة والتنمية.
جنحت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية بالدفاع عن القضية الفلسطينية وانتقاد الحصار على غزة وهذا ما يزعج الاسرائيليين فكان لا بد من الضغط على تركيا او ابتزازها، فيقوم اللوبي الصهيوني في اميركا بتحريك مسألة الارمن وهي قضية ليست بهذا الحجم وهي ليست ابادة ممنهجة والضحايا ليسوا بالملايين كما يصور الذين يبتزون تركيا، حزب العدالة والتنمية قام بايجاد حل لهذه القضية بعقد علاقات وحلول دبلوماسية مع ارمينيا حيث تم الاتفاق على احالة هذه القضية الى لجان تاريخية واحالتها الى القيادات السياسية.
م.محمد سميح الطراونة
منقول عن صحيفة الغد
بتاريخ:17/4/2010
ابحث
أضف تعليقاً