تعريف الحوار
الحوار في اللغة من الحور وهو : الرجوع عن الشيء إلى الشيء . [ اللسان 4 / 217 ] ويقصد به : المُراجعة في الكلام .
والجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ، أطلق على من خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
وبين الجدال والحوار فرق ؛ فالحوار مراجعة الكلام وتبادله بين المتحاورين وصولاً إلى غاية مستنداً إلى أنه يجري بين صاحبين أو اثنين ليس بينهما صراع ، ومنه قوله تعالى : سورة الكهف الآية 37 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
وأما الجدال فأكثر وروده في القرآن الكريم بالمعنى المذموم كقوله تعالى : سورة غافر الآية 5 وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وهذا الجدل حوار لا طائل من ورائه ولكن جاء الجدل أيضاً محموداً في مواضع كقوله تعالى : ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(سورة العنكبوت الآية 46) وقوله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(سورة النحل الآية 125 )
فالجدال بالتي هي أحسن مرادف للحوار الإيجابي البناء ، ويجمع بين الحوار والجدال معنى تطارح الرأي والأخذ والرد وقد جمعهما قول الله تعالى : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة : 1)
قال الدكتور صالح بن حميد : ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
[ص-11] وقد يكون من الوسائل في ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة . [ أصول الحوار ]
ولكي يكون التعريف جامعا يراعى فيه ثلاثة عناصر : الأول : أن يجمع بين خصمين متضادين . والثاني : أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه . والثالث : أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغاً لطيفا .
أهمية الحوار
يكتسب الحوار أهمية بالغة في منظومة الدعوة الإسلامية ، فهو أسلوب أصيل من أساليب الدعوة ومعلم بارز في منهجها الرشيد .
وللحوار دوره الكبير في تأصيل الموضوعية ورد الفكرة المغرضة كالفكرة القائلة إن الإسلام دين القهر ، وإنه انتشر بالسيف كما روجه أعداء الإسلام من ضلال المستشرقين والمنصّرين . وكيف يصح ذلك والإسلام دين الحوار وفي التنزيل الحكيم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(سورة البقرة الآية 256 )
فلو كان صحيحا أن الإسلام دين السيف لما كان للحوار معنى ، وقد حفل القرآن الكريم بعشرات النصوص حول الحوار تأمر به وتحض عليه وتنوه بقيمته وتقدم نماذج من حوارات الأنبياء والمرسلين ، وتقدم نماذج من الحوارات التي ينبغي أن يسلكها الدعاة إلى الله مع مختلف أصناف المدعوين من أهل الكتاب والمشركين والملاحدة ومنكري البعث وغيرهم .
والحوار قديم قدم البشرية فهو نابع من أعماق النفس البشرية ، ومما ورد في القرآن الكريم الحوار الذي كان بين آدم وزوجه حوار وهما في الجنة ، وكذلك ما أمر الله به الملائكة من السجود لآدم لما خلقه قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(سورة البقرة الآية 30) إلى آخر الآيات من سورة [البقرة] .
10/07/2009
أ د . عبد الرب نواب الدين آل نواب
ابحث
أضف تعليقاً