أن الحمد لله نحمده ونستعين ونستغفره ونتوب إليه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم وطاعته ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله تعالى : من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد، أما بعد:-
"الاستجابة لأمر الله ورسوله"
فيقول الله عز وجل في محكم تنزيله :-" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " (الأنفال :34)بين الكتاب العزيز أن الناس قبل دعوة الله أشباه موتى، وإن انقيادهم للمرسلين مشرق فجر جديد في أنفسهم وأفكارهم وأخلاقهم ومسالكهم، إن الحياة الحقيقية ليست صورة اللحم والدم، ولا اكتناز العضلات وقوة الحركات، كلا، فتلك حياة يشترك فيها البشر والسباع والدواب والزواحف، بل تصل حظوظ الأنعام فيها أوفر.الحياة الحقيقية هي هذه الصلة التي تنشأ مع الله بعد معرفته، هي هذا الانتظام الجديد مع أوامر الله ونواهيه بعد أن أعلن اللسان هذه البداية بقوله تعالى :- "ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ".اجل، مع هذا الإقرار السمح لا يبطئ المؤمن في الانتقال إلى عالمه الجديد، حيث يسلم وجهه لله وحده، ويتحرك فوق هذه الأرض وفق ما يطلبه منه مولاه، فهو محكوم في حبه وبغضه وسلمه وحربه بحدود الحلال والحرام والثواب والعقاب، وطلب الزلفى من ربه والوجل من طرده ،هذا الإيمان ينشئ حياة جديدة كل الجدة.
إن ذلك المرء الغافل عن ربه مهما ارتقى وضعه المادي إنسان ضائع ربما كان إنسانًا ذكيًا في بعض الأمور، بيد إن جهله بالله هوى به إلى أسفل سافلين، فهو ليس متأخرا فقط، انه ميت ولو حلق في أجواز الفضاء.
إن الجهل بالله ظلمة كالحة السواد شديدة الوحشة ولذلك يقول الله تعالى :-" أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " (الأنعام :122) والفارق بين المؤمن والكافر يتضح من هذا الوصف الذي قررته الآية فللمؤمن نوره الذي يمشي به بين الناس، ترى ما هذا النور النابع من حياة الإيمان ؟ إنه نور الضمير المشع في حناياه يعرف به الخير من الشر، ويميز به المعروف من المنكر.
المقطوعون عن الله لا تهمهم إلا الحياة الدنيا وما فيها من مكاسب لأشخاصهم، وما يتورعون عن قتل ولا إفك ولا غش ، أما الموصولون بالله فهم طلاب كمال وعدل وعفاف وتقوى، وما تنتشر البركة في الأرض، والطمأنينة في المجتمع إلا في ظلال هذا الإيمان الذي يشق طريقه في عنان السماء، وصدق الله العظيم:- " وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) (فاطر : 22) , أجل إن الإيمان حياة وقد شبه النبي (صلى الله عليه وسلم) عمل الإيمان في الأنفس بعمل المطر في الأرض قال (صلى الله عليه
وسلم
) :" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير " وهل سمي الوحي روحا إلا لأنه يحي القلوب الميتة، ويبصر الضمائر الضريرة؟ إن فيصل التفرقة بين الإيمان الصحيح والإيمان المزيف، أن الأول يولد به المرء ولادة جديدة، ويحيا به حياة رشيدة، أما الآخر فلا يصنع شيئا0
الأول: يتحول قوة دافعة إلى فعل الخير ونصرة الحق ، كما يتحول الوقود في الآلة إلى حركة دوارة ، أما الآخر فصفر0الأول : يعيد تشكيل الكيان الإنساني على نحو يجعل المرء تابعا لله في هذه الدنيا فهو باسمه يصول، وباسمه ينطلق ، أما الآخر فتابع لهواه وحسب0ولو عقلنا لعرفنا أن الحفاظ على حفاظ على صحة الإيمان أهم من الحفاظ على سلامة الذهب والفضة وما يمثلهما من أوراق نقدية0 في الحياة التي ينشئها الإيمان لا مكان للشك والريبة مهما أظلم الجو ، بل يجب على أهل الإيمان أن يتماسكوا ويصبروا " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)" ( الحجرات : 15).
ويستحيل في ظل حياة يقيمها الإيمان أن يسير الخطأ دون نكير يلاحقه أو يبقى العوج دون نصيح يطارده ، وإن طالت المسافة وعظمت التكاليف فشيمة المؤمنين التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وقد يفزع بعض الناس من بطش الجبابرة فيستكينون، أو تغريهم طراوة العيش فيستلينون ، ولكن المؤمن لا يخشى إلا من الله ,قال تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " ( الأنفال : 2) وهناك من يشغله المصلحة الشخصية عن أي أمر آخر فهو يريد أن يستبي القلوب بكل ما أولى من مواهب ، وفي عصرنا هذا شاعت عبارة الفرد للجماهير ، وعبادة الجماهير للفرد0
وعلى أن يبغي وجه الله الإنسان وجه الله فيما يعمل ويترك، ويتحرى ذاته فيما ينفق ويمسك وإلا وقع في الرياء الذي يحبط الأعمال ويكشف عن خراب القلوب من معنى الخير،
إن الغيث ينزل بالأرض الخصبة، فيكشف عن صلاحيتها للنماء والخير وينزل بالصخر فيكشف عن جفاف طبيعته وقسوتها وإقفارها، ولذلك ضرب الله المثل للمرائي :" فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين " ( البقرة : 264) المؤمن في تعامله مع الله وتوحيده له وإدراكه لأسمائه الحسنى وصفاته المحيطة يبني سلوكه في الحياة على التفرغ الكامل لمولاه المطلق به وحده، وليس التوحيد أن نكفر بأصنام الحجارة ثم نجعل من المال صنما، أو الجاه صنما، أو المرأة صنما، أو الحاكم صنما، ثم نتوجه ببعض مشاعرنا أو كلها إلى هذه الأصنام الجديدة إننا بالملاحظة العابرة نحس أن كثير من الناس يبخسون الخالق من أعمق عواطفهم على حين يتجهون بهذه العواطف المشبوهة إلى غيره فأي إيمان هذا ؟ وهذا هو السر أن البعض يزعم أنه يرجو الله مثلا فإذا فتشت في سلوكه لم تجد لذلك الرجاء أثر0 ويوم يفلت زمام النفس الانسانيه من قيادة الإيمان لها فهيهات أن يغني عنوان أو تجوز خدعة.
إن المعصية تولد قوية غالبا لأن وراءها انفعالات عنيفة، فهل يراد أن يولد الإيمان ضعيفا لأنه واهي الصلة بالمشاعر الجياشة في النفس الإنسانية، إذا لم يكن للإيمان حياة عميقة الجذور في أغوار الإنسان فهو إيمان معلول يحتاج إلى الطبيب كي يصح ويستقيم0 وعلاقة الإيمان بالدنيا ليس فقط ضمان كسبها من وجه شريف، فإن التلطف في استنباط الخير من خزائن الأرض كسب هائل لدين الله، وأبواب ذلك فوق الحصر0
إن التمكين في الأرض، واستثارة ميزاتها وإجادة أنواع الحرف، والفقه في الكون وأسرار الوجود خصائص عامة استحق بها بنو آدم الاستخلاف في الأرض، وهم يتفانون قوة وضعفا، وغنى وفقرا على قدر حظوظهم من هذه الخصائص وإفادتهم منها والسباق بين المبادئ ألحقه والباطلة على تسليم زعامة الحياة يعتمد فيما يعتمد على التفوق في هذا الجانب، من أجل ذلك نحن نعد من أبواب الجهاد إجادة فنون الحياة، وحسن استخدامها لنصرة الحق0
فمن أراد النجاة – فهذا ديننا – الاسالم – العنوان الجديد القديم ، إنه العاصم من ضلال الغواية
تم التعديل والتنسيق في 9/5/2009
ابحث
أضف تعليقاً