wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
دعوة الإسلام إلى الحوار
الأحد, July 5, 2009

تقوم فلسفة الحوار في الحضارة الإسلامية على قواعد ثلاث ، هي :
 القاعدة الأولى :
الإيمان بالله ورسوله وكتابه ، وتقوى اللَّه ، والتواضع للَّه ، والثقة في نصره ، والاعتزاز بالحق والتشبث به ، يقول تعالى في محكم التنزيل :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)( سورة المنافقون الآية 8) ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )( سورة آل عمران الآية 139) . فاستشعارُ العزة والامتلاء بها ، يحفزان إلى الثبات في مواقف الحق ، وإلى عدم الركون إلى الباطل أو الانهزام أمام سطوته ، ويقوّيان في النفس إرادةَ البقاء الحرّ الكريم ، فالمؤمن دائماً عزيز النفس قويُّ الجانب ، حرّ الإرادة ، كريم الذات ؛ لا يقبل الهوان والانكسار والذلة والصغار ، لا في دينه ، ولا في نفسه .
القاعدة الثانية :
التأدّب بأخلاق الإسلام ، والتأسي بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وسِيرة صحابته الكرام ، في الحوار ومخاطبة الناس من منطلق الإيمان بوحدة النوع الإنساني أولاً ، قال صلى الله عليه وسلم :  كلكم لآدم وآدم من تراب  ، والمجادلة بالتي هي أحسن ثانياً ، يقول تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(سورة النحل الآية 125 ) ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(سورة العنكبوت الآية 46) .
القاعدة الثالثة :
نشدان الحق والبحث عنه ، والسعي إلى الحقيقة والتماسها ، والقصد إلى ما فيه الصالحُ العام من شتى الطرق التي ليس فيها انحرافٌ عن محجة الشرع ، وبمختلف الوسائل التي تحقّق مصالح العباد والبلاد .
وعلى الرغم من الطبيعة المتشعبة للحوار ، فإنه ليس دعوة ، ولا مناظرة ، ولا مجادلة ، ولكنه صيغة جامعة ، وأسلوب من أساليب التقارب والتجاوب والتفاعل . ولذلك فإن من شروط الحوار الجادّ الهادف أن يتصف بالحكمة . والحكمة هي جماع العلم والمعرفة ، من عناصرها الفطنةُ وحسنُ الفهم ، وعمق الوعي وسعة الإدراك ، والرشد ، والتنبّه ، والقصد [ص-9] والاعتدال . يقول تعالى في سورة البقرة : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )(سورة البقرة الآية 269) . وإذا كانت الحكمة هنا قرينةَ الدعوة ، فإنها من شروط الحوار أيضاً .
وكما ترتبط الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكذلك الحوار قرين الحكمة والموعظة الحسنة في جميع الأحوال . وهذا الارتباط هو من قبيل ارتباط المنهج والمضمون بالوسيلة والأسلوب ؛ فالحوار هو الوسيلة والأسلوب ، والحكمة هي المنهج ، بينما المضمون هو الموعظة الحسنة ، وليست أية موعظة ، على أي نحوٍ من الأنحاء ، ولا بأية طريقة من الطرق ، ولكنها موعظةٌ حسنة . وفي السياق القرآني ، تتبع الدعوةَ إلى اللَّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، المجادلةُ بالتي هي أحسن ، يقول تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(سورة النحل الآية 125 ) . وينطبق هذا على الحوار انطباقاً كاملاً .
وإذا كانت المجادلة ، وهي مقارعة الحجة بالحجة ، تأتي في المرتبة الثانية من مراتب الدعوة إلى اللَّه ، وكما أن الدعوة لا تتم على الوجه الشرعي ، إلا إذا كانت صادرة عن الحكمة ، ومقترنة بها ، كذلك الحوار لا يكون إلا بالتي هي أحسن ، أي أحسن الوسائل وأقوم الأساليب ، وأصح الطرق . وهذه هي مبادئ الحوار ، وأسسه ، وشروطه .
أما مقوّمات المحاور ، فهي فرعٌ عن هذه المبادئ ، وتأسيسٌ على تلك القواعد . فالمحاور لا بد أن يكون حكيماً فطناً ، عالماً بالعصر ، فقيهاً في قضاياه ومشكلاته ، قوياً مستقيماً ، عارفاً بالدنيا ، مدركاً لرسالته ، متفتح العقل ، ذكي الفؤاد ، واسع الأفق ، محيطاً بمعارف شتى ، على قدر كبير من الثقافة والخبرة والتخصّص .
وبهذا المعنى ، فإن الحوار قوة وسلاح من أسلحة السجال الثقافي والمعركة الحضارية ، وهو وسيلة ناجعة من وسائل الدفاع عن المصالح العليا للأمة ، وشرح قضاياها ، وإبراز اهتماماتها ، وتبليغ رسالتها ، وإسماع صوتها ، وإظهار حقيقتها ، وكسب الأنصار لها ، وجلب المنافع إليها ، ودرء المفاسد عنها .
وإذا كان الحوار أصلاً ثابتاً في الحضارة الإسلامية ، فإنه من مبادئ الشرع الحنيف ، استناداً إلى قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )(سورة آل عمران الآية 64) . فهذه الآية في عمقها وجوهرها ، وفي مغزاها ومعناها ، دعوة إلى الحوار الراقي الهادف .
وتأسيساً على هذه القاعدة ، فإن الحوار الذي يجب أن ندعو إليه وندخل فيه ونتبنّاه ، هو الذي يستمد من الإسلام روح الاعتدال ، لأن أحكام الإسلام تسودها روح الاعتدال ، فهي تنبذ التطرف وتفضل التوسّط بين الأطراف . ولقد [ص-10] وردت الكثير من الآيات القرآنية في مواضع مختلفة تشير إلى هذه الروح ، بل تشيد بها ، أي بذلك التوسّط ، منها قولُه تعالى : سورة البقرة الآية 143 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ  ويقصد "بأمة وسط" أمة لها طابع الاعتدال  . ويرى بعض العلماء أن "وسطية الإسلام" تلتقي في معناها أو تتقارب مع "مثالية الإسلام" ، فقد فسروا معنى " أمة وسطاً " ، الواردة في هذه الآية ، بأمة مثالية إذا اتبعت شريعة اللَّه وقامت بحقها  .
وهكذا ، فإن الحوار في شريعة الإسلام ، وفي مفهوم الفكر الإسلامي ، هو الحوار الذي ينزع منزع الوَسَطِيَّة والاعتدال ، استمداداً من دلالة لفظ "كلمة سواء" في الآية الكريمة ، فهو حوار بالكلمة الراقية ، وبالمنهج السويّ  . وبذلك يتميّز حوارنا دلالةً ومفهوماً وغايةً وفلسفةً .

5/7/2009

د . عبد العزيز بن عثمان التويجري

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.