في إطار أعمال الورشة الرابعة لـ"ترسيخ الفكر الوسطي في العالم الإسلامي"، التي عقدها المنتدى العالمي للوسطية مؤخراً، شارك العديد من المفكرين المسلمين من بعض الدول الإسلامية مثل منتصر الزيات، عبد الباقي عبد الكبير، ود. محمد حبش، الذي يعد عَلما من أعلام الفكر التنويري الإسلامي، ورئيس منتدى الوسطية بسورية.
استثمرت وجود الدكتور حبش، وأجريت معه دردشة حول دعوة الوسطية وما يثار عنها اليوم من أسئلة وإشكاليات.
حبش يرى أنّ "الهدف من حديث الوسيطة هو مواجهة التطرف والغلو، وإن كانت القراءة الأيديولوجية لمشروع الوسطية ليس في إطار ردود الأفعال، بل نحن نتحدث عن الوسطية التي هي سواد المسلمين الأعظم".
يوضح حبش الوسطية بين التيارات المختلفة بالقول " ففي هذا المجتمع الإسلامي هناك تيارات انشقت، فهناك تيارات باتجاه الجبرية وتيارات باتجاه القدرية وتيارات باتجاه الخوارج وتيارات باتجاه الاعتزال وبقي السواد الأعظم مسلمين، هؤلاء ليس لهم اسم آخر، اسمهم المسلمون فحسب، "هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا، ليكون الرسول عليكم شهيدا".
" فعندما نقرأ المجتمع الإسلامي نلاحظ كيف انحصر من عموم المجتمع الإسلامي ومن عموم الأمة انحصرت تيارات متعددة تاريخيا، وبقي سواد الأمة الأعظم موجودا تحت المسمى الإسلامي، هؤلاء هم في الوسط، هؤلاء وسطيون بمعنى لم ينحازوا لأي خيار من خيارات الانحراف وهذا التعبير هو تعبير قرآني "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"، ونحن في الواقع لا نتجه لتأسيس كيان جديد أو حزب جديد أو انشقاق جديد في العالم الإسلامي، بل نحن نتكلم عن الأكثرية الصامتة من جمهور الأمة الإسلامية، هذه الأمة التي تتسم بالاعتدال والتسامح وقبول الآخر".
وفيما إذا كان الفكر الوسطي هو امتداد للمدرسة التقليدية في الخطاب الإسلامي، يرى "أنّ الفكر الوسطي سيعاني من هجومين اثنين: هجوم يعتبره صنيعة الحكام ومهمته القضاء على الحركة الإسلامية الجهادية، وهجوم من تيار آخر سيرى أنه محاولة للالتفاف على الليبرالية أو على توجه الشعوب العربية العلمانية وإعادتها إلى الحضيرة الدينية".
يوضح حبش ما سبق بالقول "شخصيا، لا أرى في أي من الاتهامين سلطة، لأنه من بعض مشروعنا. ولكن حتى نكون دقيقين وواضحين نحن لا نتجه إلى إلغاء الجهاد ونؤمن بحق الشعوب في الدفاع عن حريتها واستقلالها على أن يكون هذا الجهاد منظما وممارسا من قبل الدولة على غرار الجيوش الإسلامية عبر التاريخ، وهذا هو شكل الدولة القوية التي تدافع عن نفسها وهذا هو شكل الجهاد في الإسلام".
المشكلة، وفقاً لحبش، أنّ صورة الإسلام تقدم عبر تيارات التطرف " بعد أحداث 11 أيلول مثلا، هناك خمسة وخمسون دولة في العالم الإسلامي بمؤسساتها ومفتيها ورؤساء جامعاتها الإسلامية، لم نسمع واحدا منهم تبنى أو دافع عن هذه الاعتداءات، أما الإعلام الغربي فجاء بعشرات الأشخاص دافعوا عن هذه الاعتداءات، وقدمهم عبر وسائل الإعلام، وكانوا يبررون هذه الاعتداءات بأنها جهاد في سبيل الله".
يتساءل حبش: هل نبقى نحن كمسلمين صامتين إزاء هذا المشهد الذي من الواضح أنه تشويه حقيقي للعالم الإسلامي، من أين جاء الإعلام الغربي بهذه العمائم الكبيرة واللحى الطويلة، وأشخاص قدمهم على أنهم ممثلون للعالم الإسلامي؟
ويجيب " نحن نريد أن نقول ليس هؤلاء من يمثل العالم الإسلامي، بل إن من يمثل العالم الإسلامي هو التيار الوسطي المعتدل وسواد المسلمين الأعظم".
قد يعتقد البعض أن تيار الوسطية هو تيار توفيقي بين التطرف والعلمانية، لكن الحقيقة، على حد رأي حبش، هي أنه " لم يتم الدخول بعد في حقل الحوار المصطلحي أو الحوار الفكري أو الأيديولوجي بمعنى محاورة الآخرين لنقيم الحجة عليهم، فنحن مقتنعون بأن السواد الأعظم من العلمانيين هم مؤمنون، ولا يستحقون أن يخرجوا من الإسلام، فقلة من عتاة العلمانيين يتبنون الإلحاد، أما السواد الأعظم منهم فيتبنون الوفاق وعلينا أن نحترم ما يختارونه".
ومن جانب آخر، يرى حبش، عندما نتحدث عن الغلاة من المتطرفين الإسلاميين، " فإننا لا نقبل أن يقال أن هؤلاء جميعا هم خارج الأمة، فقلة من المتشددين من يتحدث عن كفر الأمة، وكثيرا منهم يؤمن بهذه الأمة، لكنه يتبنى خيارات متشددة، هنا نقول أنه يمكن للحوار أن يفسح المجال، ويمكن أن نقبله كما هو في جسم الأمة الإسلامية، ونحن عندما ننتزعه من جسم الأمة الإسلامية فإننا نخلق فراغا، وهذا ما لا نصبو إليه".
وفيما إذا كانت الحكومات العربية متعاونة أو جادة في إنجاح مشروع الوسطية، يقول: لا أعتقد ذلك، للأسف الصيغة السائدة لدى الحكومات العربية هي أن الدين "شر لا بد منه" أو أنه "كرة نار نتدفأ بها ولا نقترب منها". وهنا أرى أن الحكومات في هذا الإطار تتخلى عن مسؤوليتها.
الرهان، كما يرى، "أن هذا التيار سيثبت استقلاليته وسيثبت قراءته الدقيقة للمستقبل وسيدرك العالم أكثر من أي وقت مضى بأن هذا التيار هو حصيلة إرادة صحيحة لمجموعة شباب الأمة الذين قرروا أن يدافعوا عن الاعتدال وعلى التسامح وعلى الوسطية وأن يستخدموا كل الأدوات بما فيها أدوات السلطة من أجل ترسيخ الفكر الوسطي ومواجهة الفكر المتطرف والعمل على استنهاض حالة من التعبير عن رأي الأكثرية الصامتة في المجتمع".
منقول عن صحيفة الغد بتاريخ :
7/5/2010
* خيرة طهيري/ كاتبة جزائرية مقيمة في الأردن
ابحث
أضف تعليقاً