مقدمة:
القرآن الكريم ( كتاب الله الذي فيه نبأ من قبلنا ، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، فهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وصراطه المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأفئدة ولا تضل به الأهواء ، ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، لا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته إلا أن قالوا " إنا سمعنا قرآناعجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربناَ أحداَ " من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ).
جاء هداية للعالمين بلغة عربية مشرقة ، واستوى في أسلوب كامل يغمر العقل والروح معا بضوء من التعبير ينفتح معه وله الكون بكل أبعاده المرئي منها والخفي ، ويكسر برؤية عميقة دائرة الإنغلاق المؤدي إلى تعطيل إرادة الإنسان وإلغاء طموحات الإنسان المشروعة في التحاور مع الناس ومع الكون .
جاء هذا الكتاب العظيم مبشرا برسالة تجعل الحوار – في أصفى معانيه – واحدا من أهم مرتكزاتها العملية ، ولذلك فما أحوج العرب والمسلمين في هذه الظروف ، بل ما أحوج البشرية جمعاء إلى أن تستنجد بلغة الحوار ، وأن تستعيد أصوله ومراجعه المشرقة كما استوعبها وعبر عنها القرآن الكريم .
تأتي هذه الدراسة لتقدم لنا صورة مشعة وعميقة عن المعالجة اللغوية للحوار في القرآن الكريم ، وذلك إيمانا منا بأن اللغة منهج للتفكير، ونظام للاتصال والتعبير. فثقافة كل مجتمع كامنة في لغته، في معجمها، ونحوها، وصرفها، ونصوصها، وفنها، وأدبها.. فلا حضارة إنسانية دون نهضة لغوية.
ثم ( إن المعاني القائمة في صدور العباد ، المتصورة في أذهانهم ، والمختلجة في نفوسهم ، والمتصلة بخواطرهم ، والحادثة عن فكرهم ، مستورة خفية ، وبعيدة وحشية ، ومحجوبة مكنونة ، وموجودة في معنى معدومة . لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ، ولا حاجة أخيه وخليطه ، ولا معنى شريكه والمعاون له في أموره ، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره ، وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها ، وإخبارهم عنها ، واستعمالهم إياها …. ) فاللغة إذا هي التي نقلت لنا هذه المعاني الخفية المستورة ، وأظهرتها لنا .
وبعد طول نظر في مواضع الحوار في القرآن الكريم التي تفوق قدرة باحث بمفرده ، رأى الباحث أن يتوقف عند نصوص حوار الأنبياء مع أقوامهم وذلك لما تمثله هذه المحاورات من حضور فعال في القرآن الكريم ، وكذا السعي لمحاولة السير على نهج الأنبياء في الحوار ، فقد قال تعالى " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه " ، وقال تعالى : " لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ما كان حديثاً ُيفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيَل كـل شــيٍء وهدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون "
قال محمد حسين فضل الله : ( لقد جاء الأنبياء ليعلموا الإنسان طبيعة الكلمة التي تأخذ وتعطي ، ليتعلم كيف يعالج مشاكله بها ، وكيف يحل خلافاته من خلالها ؛ لأنها تمثل النافذة التي يطل منها الإنسان على ما في داخل الآخرين عند ما تجد صداها الإيجابي من كلماتهم الهادئة أو الصاخبة . وكان الحوار هو أسلوب الأنبياء ورسالتهم الإلهية إلى الإنسان ) .
ونتيجة لكثرة النصوص وانتشارها في معظم سور القرآن الكريم وحرص الباحث على الالتزام بعدم الإطالة في البحث فقد ارتأ أن يتوقف عند نص ممثل لخطيب الأنبياء " شعيب عليه السلام" ليكون هو النص الذي ننطلق منه في دراستنا ، وقد وقع الاختيار على أطولها وهو النص الوارد في سورة هود لنقوم بتحليله ومن ثم يمكن بعد ذلك القياس عليه .
التعريف بالمحاور والمحاور :
المحاور : شعيب عليه السلام :
وهو شعيب بن يشحر بن لاوي بن يعقوب . ويقال : شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم عليه السلام . ويقال شعيب بن ميكيل بن يشجن ، ذكر ذلك ابن اسحاق . وقيل إن اسم شعيب هو : يترون .وقد كان أعمى . أورد ذلك ابن جرير .وكان يسمى - عليه السلام - خطيب الأنبياء ، وذلك لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان برسالته ، وقد بعث إلى أهل مدين
المحاور : أهل مدين :
كانوا عربا يسكنون مدينتهم " مدين " التي كانت قريبة من أرض معان من أطراف الشام مما يلي الحجاز ، قريبا من بحيرة قوم لوط . وكانوا كفارا يقطعون السبيل ، ويخيفون المارة ، ويعبدون الآيكة ؛ وهي شجرة من الأيك . وكانوا من أسوأ الناس معاملة ؛ يبخسون المكيال والميزان ، ويطففون فيهما ؛ يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص .
وقد ورد ذكر محاورة شعيب عليه السلام معهم في أربع سور هي : الأعراف ( 85 –93 ) وهود ( 84 –93 ) والشعراء ( 177 – 188 ) والعنكبوت ( 36 – 37).
موضوع الحوار :
لابد لأي متكلم من غرض يرمي إليه من كلامه ، ومقصد يسعى إليه من حديثه فإنه لا يعقل إطلاقاً أن يتحدث متحدث مدرك ، أو يتكلم متكلم عاقل من غير فكرة يعالجها ، أو مقصد ينطلق منه .
فللمتكلمين خواطر تجيش في صدورهم ، وأفكار تدور في أذهانهم . وعندما يظهرون كلامهم ، إنما يعبرون عن أفكارهم ومشاعرهم برموز لغوية يفرغون فيها هذه الأفكار والمشاعر ؛ وعلى قدر استطاعتهم في التعبير تكون درجة إحسانهم في إصابتهم أغراضهم ، وبقدر مطابقتهم بين التعبير والغرض تكون إجادتهم .
ونحن إذا رمنا الكشف عن هذه المعاني والأفكار التي توصف بأنها " مستورة خفية ، بعيدة وحشية ، محجوبة مكنونة " ، فإنه لا يمكننا ذلك إلا من خلال الغوص في لغة النص التي أحيت هذه المعاني وأبرزتها .
وقبل الحديث عن موضوع الحوار تجدر الإشارة إلي أن مفهوم الموضوع قد استعمل بداية في وصف بنية الجملة . ينقل خطابي عن هوكيت قوله : ( يمكن أن نميز في جملة ما بين الموضوع وبين التعليق ، باعتبار أن المتكلم يعلن عن موضوع ثم يقول شيئاً عنه) . ويعتبر فان ديك أن:( الموضوع وظيفة تحدد حول أي حد قيل شيء ما).
ثم انتقل مفهوم " الموضوع " من مستوى الجملة إلى مستوى النص . حيث يرى براون و يول أنه : ( يجب أن يكون هناك ، بالنسبة لكل جزء من خطاب تخاطبي قضية مفردة "معبر عنها كقول أو جملة " تمثل موضوع خطاب مجموع الجزء التخاطبي) .
وفي إطار تحديد المفهوم تحديداً يوافق مهمته الجديدة التي يرى فان ديك أنها :( اختزال وتنظيم وتصنيف الإخبار الدلالي للمتتاليات ككل ) .و يذهب خطابي إلى أن : ( مفهوم الموضوع _ موضوع الخطاب _ مفهوم جذاب إذ يبدو أنه المبدأ المركزي المنظم لقسم كبير من الخطاب . يمكن أن يجعل المحلل قادراً علي تفسير ما يلي : لماذا ينبغي أن نعتبر الجمل والأقوال متأخذة كمجموع من صنف ما منفصل عن مجموع آخر ، يمكن أن يقدم أيضا وسيلة لتمييز الأجزاء الخطابية الجيدة المنسجمة من تلك التي تعد - حدسياً - جملاً متجاورة غير منسجمة) .
وعليه : يمكن القول بأن ما نقصده بموضوع الحوار هو : ( البنية الدلالية التي تصب فيها مجموعة من الجمل والآيات بتضافر مستمر عبر متواليات قد تطول أو تقصر؛ حسب ما يتطلبه الخطاب من إيجاز ، أو إطناب ، أو شرح أو تفصيل … الخ ).
وهنا ينبغي التنبيه إلى أن المفسرين في تحليلاتهم وتفسيراتهم قد كشفوا عن وجود مثل هذا المفهوم في أذهانهم ، وهم يمارسون التفسير . من ذلك ما نجده عند الزمخشري في غير ما موضع من الكشاف ، وكذا الرازي في مفاتيح الغيب ، وابن عاشور في التحرير .ولكي نستطيع الوصول إلي معرفة موضوع الخطاب يضع فان ديك بعض البينات اللغوية التي عبرها يتجلى الموضوع :
أول هذه البينات: وجود جمل متعددة متنوعة تعبر بشكل مباشر عن قضايا كلية.البينة الثانية:
ردود فعل المستمع المعبرة عن عدم قبوله لمتتالية ما أو خطاب ما.
معنى هذا أن موضوع الخطاب يستخلص عن طريق رصد مجموعة من الجمل التي تخص هذا الموضوع .
من هذه القاعدة ننطلق للتعرف على موضوع الحوار ، والذي يمكن تناوله على ثلاثة محاور :
1. المحور الأول :
يمكن أن نصنف الآيات والجمل الواردة في هذا المحور على النحو الآتي :
- عبادة الله : " أعبدوا الله " ، " ما لكم من إله غيره "
- مستلزمات العبادة : " لا تنقصوا المكيال والميزان " ، " أوفوا المكيال والميزان بالقسط " ، " لا تبخسوا الناس أشياءهم " ، " لا تعثوا في الأرض مفسدين " ، " استغفروا ربكم " ، " توبوا إليه ".
كانت هذه هي جوانب الفكرة الأساسية التي جاء شعيب لبيانها ، ولذلك كانت جمل وتراكيب و آيات الحوار مترابطة متناسقة لتخدم هذه الفكرة وتوضحها.
يدعم ذلك ما جاء في رد القوم على ما عرض من فكرة الإيمان بالله وإفراده بالعبادة والألوهية ، والذي تمثل في :" أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أوأن نفعل في أموالنا ما نشاء".
هذا الرد يشير بوضوح إلى أن الحوار تركز حول هذه الفكرة _ فكرة الإيمان بالله وإفراده بالعبادة و الألوهية - لما لها من أهمية بالغة في توجيه سلوكيات الفرد والمجتمع.
2- المحور الثاني :
و نجده دار حول : " إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط " .
" سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب " .
وقد كان رد القوم فيما يخص هذا المحور يتلخص في قولهم :
" يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول " .
3-المحور الثالث :
وتدور حول إيضاح مهمة الرسول" ما أنا عليكم بحفيظ " ، " أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
رد القوم على المحور تمثل في الآتي :
" ما نفقه كثيرا مما تقول " ، " إنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز" وهكذانرى كيف عرض شعيب لفكرة الرسالة، وأنها مرتبطة برحمة الله وفضله وكيف أن الأقوام لم يستوعبوا فكرة إرسال بشر، وحاولوا تمويه القضية من رسالة يجب أن يسمع لها ويطاع، الي اتهامات تخص شخص المرسل واتباعه وهذا فيه صرف للقضيةعن وجهها ، وتحويل دفة الحوار ليناقش موضوعاً وفكرة أخرى بعيدة عن فكرة الحوار الأساسية .
الاتساق والانسجام اللغوي في النص :
يحتل اتساق النص وانسجامه موقعاً مركزياً في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجالات تحليل النص ، ولسانيات النص ، وعلم النص ، حتى إننا لا نكاد نجد مؤلفاً ينتمي إلى هذه المجالات ، خالياً من هذين المفهومين ، أو من أحدهما ، أو من المفاهيم المرتبطة بهما كالترابط والتعالق وما شاكلهما .
وبنظرة عجلى في تراثنا اللغوي نجد فيه نظرات لا تقل أهمية وخصوبة عما قدمه الغربيون ، من ذلك وجود نصوص نقدية تتضمن إشارات واضحة إلى مفهوم الاتساق والانسجام باستخدام كلمات معجمية شديدة الارتباط به ، مثل " التآخذ ، أخذ بعض الأبيات بأعناق بعض ، تلاحم الأجزاء والتئامها ، الفصل والوصل ، المناسبة ، وغير ذلك من المصطلحات " .
كما نجد كلاماً واضحاً ودقيقاً عن تماسك النص ، ووسائل هذا التماسك . من ذلك ما نجده عند الجاحظ ، و الجرجاني ، و ابن طبا طبا ، و القرطاجني وغيرهم الكثير.
ونحن إذ نتكلم عن الاتساق فإننا نقصد به ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة لنص ما ، ويهتم فيه بالوسائل اللغوية التي تصل بين العناصر المكونة للنص .
ويحدد محمد خطابي مهمة محلل النص في تتبع هذه الوسائل ومعرفة العلاقات الداخلية بين أجزاء النص في قوله : ( ومن أجل وصف اتساق الخطاب يسلك المحلل الواصف طريقة خطية متدرجاً من بداية الخطاب " الجملة الثانية منه غالباً " حتى نهايته، راصداً الضمائروالإشارات المحيلة - إحالة قبلية أو بعدية - مهتماً بوسائل الربط المتنوعة كالعطف، والاستبدال، والحذف، والمقارنة، والاستدراك، وهلم جرا.
كل ذلك من أجل البرهنة على أن الخطاب " المعطى اللغوي بصفة عامة " يشكل كلاً متآخذا . وأكثر من ذلك ما نجده عند الجرجاني من حديثه عن الوسائط اللفظية والمعنوية من عطف، وتأكيد ، وبيان ، وتخصيص.
أما السكاكي فيرى :( أن الجمل ينبغي أن يقطع بعضها عن بعض ما لم يكن بينها ما يجمعها من جهة العقل أوالوهم أوالخيال. فالجامع العقلي هو أن يكون بين عنصرين أو أكثر، ويشمل :
1.اتحاد في تصور مثل :
أ. الاتحاد المخبر عنه.
ب. الاتحاد في الخبر.
2. تماثل .
3. تضايف كالذي بين العلة والمعلول ،والسبب والمسبب ،والسفل والعلو ، والأقل والأكثر .
فالعقل يأبى أن لا يجتمعا في العقل .
والجامع الوهمي : هو أن يكون بين تصوراتهما شبه تماثل أو تضاد أو شبه تضاد ،فإن الوهم ينزل المتضادين أوالشبيهين بهما منزلة المتضايفين فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن ،ولذلك نجد الضد أقرب خطوراً بالبال مع الضد.
والجامع الخيالي : هو أن يكون بين تصوراتهما تقارن في الخيال سابق لأسباب مؤدية إلى ذلك ، فإن جميع ما يثبت في الخيال ،مما يصل إليه من الخارج ، يثبت فيه على نحو مما يتأدى إليه ويتكرر لديه ) وتعرف المناسبة بأنها : ( تركيب القول من جزأين فصاعداً ، كل منها مضاف إلى الآخر،ومنسوب إليه بجهة ما من جهات الإضافة،ونحو من أنحاء النسبة ) .
وتصنف جهات المناسبة إلى :
إيراد الملائم: أن يأتي بالشيء وشبيهه .
إيراد النقيض: أن يأتي بالأضداد .
الانجـرار: أن يأتي بالشيء وما يستعمل فيه .
والتراث غني بأمثال هذا ، ولكني أكتفي بما تقدم خشية الإطالة .
على أنه إذا أردنا أن نتعرف على مظاهر اتساق النص الحواري الذي ندرسه، وبيان الكيفية التي يتماسك بها النص، فإننا كما هو الأمر غالباً في اللسانيات الوصفية – حسبما يرى هاليداي ورقية حسن – سنناقش أشياء يعرفها متكلم اللغة الناشئ مسبقاً، ولكن دون أن يعلم أنه يعرفها.
وسنبدأ بالحديث عن البنية الكلية للنص التي يعرفها فان ديك في : ( وجود جمل متعددة متنوعة تعبر بشكل مباشرعن قضايا كلية تظهر بشكل نمطي في بداية أو نهاية المقطع ).ويقول في موضع آخر : (إن بنية كلية ما لمتتالية من الجمل هي تمثيل دلالي من نوع ما).
ويرى فان ديك أن القواعد أو الإجراءات التي ترفد هذه المقدرة على معرفة البنية الكلية للنص، أو معرفة موضوع النص هي:
1. أن الموضوع عُبر عنه في النص عدة مرات .
2. وجود جمل متعددة متنوعة تعبر بشكل مباشر عن قضايا كلية .
3. وجود روابط مختلفة بين القضايا التي تشكل النص .
وقبل التوغل مع النص لا بد من تحديد بعض المصطلحات التي سنستخدمها في التحليل . هذه المصطلحات أوردها محمد مفتاح ، وأشار إليها هايمس، واستحسنت أنا الأخذ بها.
وأهم هذه المصطلحات ما يلي :
1.المقصــدية :
ويطلق عليها الغرض، أو المقاصد. وهي: (ما يكمن ويحكم من معتقدات ومقاصد وأهداف فعل الكلام الصادر عن متكلم إلى مخاطب في مقتضيات أحوال خاصة).وهي في هذا تعني مقاصد المتكلم التي دفعته لانتقاء عباراته، واختيارأساليبه، أو حتى في سبب كلامه.ومعنى ذلك: (أن كل جملة لغوية-أو نص- وراءها مقصديه أولى تتجلى في بعض الحالات، مثل : الاعتقاد والخوف والتمني والرغبة والحب والكراهية ، وثانوية هي ما يعرفه المتلقي من مقاصد المتكلم والحالات التي وراءها).
2.الجملة المنطلق:
وهي الجملة التي ينطلق من خلالها المتكلم للوصول بالكلمة المحورإلى الجملة الهدف ،وتمثل المقدمة التي تحمل إيحاءات تجعل جملة الهدف متوقعة بين أحد الاحتمالات عند المتلقي.
3.الجملة الهدف:
وهي الجملـة التي يصب فيهـا مـا تقـدم من البنى، وتمثل الغاية من مقصدية.المتكلم، والموقف الذي يريده من المخاطب. الآنسننظر إلى نصنا الذي اخترناه ليكون محلنا نظرنا وتحليلنا لنرى ما الذي سنجده فيه.
1. المقـاصـــد :
ماهو الدافع الذي دفع بشعيب إلى أن يدعو قومه ويقف أمامهم محذرا ، ما هي العاطفة التي كانت تحكمه في ذلك الحين؟ إن القارئ ليجد أن الغرض الذي جعل شعيب عليه السلام ينطلق ليدعو قومه إلى عبادة الله – بكل ما تعنيه كلمة العبادة من مفهوم – هو ما نجده واضحاً في قوله لهم : إني أخاف عليكم عذاب محيط ))فهذه الجملة وقعت في موقع التعليل)).
لقد كان الخوف على القوم من عذاب الله، هو الشعور الذي جعله ينصح لهم حرصاًعليهم، وحبا لهم، وخوفاً عليهم.إنها العاطفة الجياشة التي تصورها جملة النداء " يا قوم " وجملة " إني أخاف عليكم " وجملة " نصحت لكم "
قال ابن عاشور:( وبنى نظم الكلام على خوف المتكلم عليهم دلالة على امحاضه النصح لهم، وحرصه على سلامتهم حتى جعل ما يضر بهم كأنه يضر به، فهو يخافه كما يخافون على أنفسهم) ( كما أن في ندائه لهم بوصف القوم لتذكيرهم بآصرة القرابة ، ليتحققوا أنه ناصح ومريد خيرهم ومشفق عليهم، وأضاف " القوم " إلى ضميره للتحبيب والترقيق لاستجلاب اهتدائهم).
2. الجملة المنطلق:
سبق أن ذكرنا أن الكلمة المحور التي دارت عليها نصوص الحوار هي " العبادة "، والجملة المنطلق التي ينطلق من خلالها المتكلم للوصول بالكلمة المحور إلى الجملة الهدف في هذا النص هي جملة " اعبدوا الله " لقد كانت هذه الجملة هي المنطلق الذي انطلق منه شعيب ليصل بالقوم إلى الجملة الهدف.وكأني بها قد أحدثت نوعاً من الاستفزاز لمشاعر القوم ، والتهيئة النفسية لمعرفة السبب الذي من أجله طُلب منهم عبادة الله .وكأنهم قالوا في حوار خارجي لم يظهره النص:( ولماذا نعبد الله ؟)، ويمثل هذا المقدمة التي تحمل إيحاءات تجعل جملة الهدف متوقعة عند المتلقي .
3. الجملة الهــــدف :
ذكرنا أنها الجملة التي يصب فيها ما تقدم من البنى ، وهي تمثل الغاية التي يريدها المتكلم من المخاطب ، وعادة ما تكون مرتبطة بالجملة المنطلق ، لأنها – أي جملة الهدف – تأتي تعليلاً أو بياناً أو تفسيراً أو غير ذلك من العلاقات التركيبية.
الجملة الهدف في نصنا هي قوله: ما لكم من إله غيره. فهي الغاية التي يريد شعيب عليه السلام تحققها في قومه.إن هدفه هو إعلان وحدانية الله وألوهيته.
والعلاقة التركيبية بين الجملة الهدف والجملة المنطلق واضحة، فالثانية بياناً للأولى. قال الزمخشري: ( فإن قلت: فما موقع الجملة بعد قوله " اعبدوا الله " ؟ قلت: بياناً لوجه اختصاصه بالعبادة).وقال الشوكاني: ( قوله " مالكم من إله غيره " هذه الجملة في حكم العلة لقوله " اعبدوا " أي اعبدوه؛ لأنه لم يكن لكم إله غيره حتى يستحق منكم أن يكون معبوداً).
وقال ابن عاشور : ( وجملة " ما لكم من إله غيره " على الوجه الأول بيان للعبادة التي أمرهم بها ،أي أفردوه بالعبادة دون غيره، إذ ليس غيره لكم بإله. وعلى الوجه الثاني يكون استئنافاً بيانياً للأمر بالإقلاع عن عبادة غيره). فهذا رابط ، وهناك رابط آخر هو الضمير المتصل في " غيره " العائد على لفظ الجلالة " الله " في الجملة المنطلق " اعبدوا الله ".
كان هذا حديثاً عن المقصدية والجملة المنطلق والجملة الهدف في هذا النص، وبقى أن نعرف العلاقة بين بقية النص والجملة المنطلق.
هل تأثرت بقية جمل النص بما جاء في الجملة المنطلق أو لا ؟
هذا هو ما يسميه براون ويول بالثيمة ويطلق عليه محمد خطابي " التغريض" ، يقول في تعريفه: ( لما كان الخطاب ينتظم على شكل متتاليات من الجمل متدرجة لها بداية ونهاية، فإن هذا التنظيم – يعني الخطية – سيتحكم في تأويل الخطاب بناء على أن ما يبدأ به المتكلم أو الكاتب سيؤثر في تأويل ما يليه، وهكذا فإن عنواناً ما سيؤثر في تأويل النص الذي يليه كما أن الجملة الأولى من الفقرة الأولى لن تقيد فقط تأويل الفقرة، وإنما بقية النص أيضاً).
والطرق التي يتم بها التغريض متعددة منها :
1. تكرير الاسم
2. استعمال ضمير محيل إليه .
3. تكرير جزء من الاسم .
4. ستعمال ظرف زمان يخدم خاصية من خصائصه أو تحديد دور من أدواره في فترة زمنية .
كانت هذه الطرق هي ما ذكره محمد خطابي في كتابه .
ولكن هناك علاقات أخرى وجدناها عند حازم القرطاجني أثناء محاولته الربط بين أبيات القصيدة الواحدة حيث يقول: (ويجب أن يردف البيت الأول من الفصل بما يكون لائقاً به من باقي معاني الفصل مثل أن يكون: مقابلاً له على جهة من جهات التقابل أو بعضه مقتضى له مثل أن يكون مسبباً عنه، أو تفسيراً له، أو محاكياً بعض ما فيه ببعض ما في الآخر أو غير ذلك)
وسنتخذ هذه الطرق منطلقاً لوصف اتساق نصنا المختار، مستعينين بالشبكة التي وضعها هاليداي ورقية حسن لوصف اتساق نص ما، لأنها عملية وتغنينا عن التطويل، غير أننا قمنا بإجراء بعض التعديلات التي تفرضها طبيعة النص القرآني:
1 وضعنا لكل جملة رقماً حسب تدرج الآيات من البداية حتى النهاية ، وهو الرقم الموجود في الخانة الأولى من الشبكة .
2. في الخانة الثانية عدد الروابط المستعملة في الجملة .
3. العنصر اللغوي الذي يتضمن وسيلة اتساق في الخانة الثالثة .
4. الخانة الرابعة خاصة بنوع العنصر الاتساقي :
- تكرار ونقصد به إما تكرار الاسم أو جزءاً منه .
- إحالة ضمير سـواء للمتكلم أم للمخاطب أم للغائب وسواء أكانت الإحالة قبلية أم بعدية .
- عطف بأدواته المختلفة ( الواو – ثم – الفاء – أو ) .
- بيان ونقصـد به الجملة المفسرة أو الكلمة المفسرة المبينة للمعنى .
- مقابلة لفظية أو معنوية .
- وصف ما يطلق على الذات من الصفات
- تفصيل ونقصد به العلاقات التبادلية بين الإجمال والتفصيل .
5.في الخانة الخامسة ( المسافة ) رقم يشير إلى عدد الجمل الفاصلة بين العنصر الاتساقي والعنصر المرتبط به .
6.أما الخانة السادسة فهي خاصة بالعنصر المحال إليه .
رقم الجملة عدد الروابط العنصر الاتساقي نوع الاتساق المسافة العنصر المحال إليه
1 1 قومي (ي) ضمير (ياء المتكلم) - النبي
2 1 اعبدوا ضمير (واو الجماعة) 1 القوم
3
4 لكم ضمير المخاطب (كم) 2 القوم
إله تكرار جزئي 1 الله
غيره ضمير (الهاء) 1 الله
(ما لكم من إله غيره) تعليل 1 العبادة
4
3 و عطف 2 العبادة
تنقصوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 3 القوم
و عطف - المكيال
5
2 إني ضمير (ياء المتكلم) 4 النبي
أراكم ضمير (كم) 4 القوم
6
3 و عطف 1 الرؤية
إني ضمير (ياء المتكلم) 5 النبي 7 عليكم ضمير (ك) 5 القوم
3 و عطف 5 النداء الأول
قوم تكرار 6 القوم
8 ي ضمير (ياء المتكلم) 6 النبي
2 اوفوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 7 القوم
و عطف - المكيال
9
3 و عطف 1 الوفاء
تبخسوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 8 القوم
أشياءهم ضمير الغائب (هم) - الناس
2 و عطف 1 البخس
تعثوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 9 القوم
2 الله تكرار 10 الله
لكم ضمير المخاطب (ك) 10 القوم 1 كنتم ضمير المخاطب (تم) 11 القوم
13
3 و عطف 12 العبادة
أنا ضمير المتكلم 12 النبي
عليكم ضمير المخاطب ( كم ) 12 القوم
14 1 شعيب ذكر الاسم 13 النبي
15 5 أصلواتك ضمير المخاطب (ك) 14 النبي
تأمر (هي) ضمير (هي) - الصلاة
ك ضمير المخاطب (ك) 14 النبي
نترك (نحن) ضمير المتكلم (نحن) 14 القوم
آباؤنا ضمير المتكلم (نا) 14 القوم
16
3 أو عطف 1 الأمر
نفعل (نحن) ضمير المتكلم (نحن) 15 القوم
أموالنا ضمير المتكلم (نا) 15 القوم
2 إنك ضمير المخاطب (ك) 16 النبي
أنت ضمير المخاطب (أنت) 16 1 قوم تكرار 17 القوم
4 أرأيتم ضمير المخاطب (تم) 17 القوم
كنت ضمير المتكلم (تاء الفاعل) 18 النبي
ربي تكرار 18 الله
ضمير المتكلم (ياء المتكلم) 18 النبي
3 رزقني (هو) ضمير (هو 19 الله
ضمير (ياء المتكل 19 النبي 21 منه ضمير (الهاء) 19 الله
4 أريد (أنا) ضمير (أنا) 20 النبي
أخالفكم ضمير المخاطب (كم) 20 القوم
أنهاكم ضمير المخاطب (كم) 20 القوم
عنه ضمير (هاء) 1 الأمر المنهي
222 أريد (أنا) ضمير (أنا) 21 النبي
استطعت (أنا) ضمير (أنا) 21 النبي
23
3 و عطف 1 الإرادة
توفيقي ضمير (ياء المتكلم) 22 النبي
بالله تكرار 22 الله
24
2 عليه ضمير (الهاء) 23 الله
توكلت (أنا) ضمير (أنا) 23 النبي
25
3 و عطف 1 التوكل
إليه ضمير (الهاء) 24 الله
أنيب (أنا) ضمير (أنا) 24 النبي
26
3 و عطف 25 النداء الأول
قوم تكرار 25 النبي
27 1 يجرمنكم ضمير المخاطب (كم) 26 القوم
28
4 يصيبكم ضمير المخاطب (كم) 27 القوم
مثل مقارنة - العذاب
أو عطف - قوم نوح
أو عطف 1 قوم هود
29
2 و عطف 1 الأقوام
منكم ضمير المخاطب (كم) 28 القوم
30
4 و عطف 28 العبادة
استغفروا ضمير المخاطب (واو الجماعة 29 القوم
ربكم تكرار 28 الله
ضمير المخاطب (كم) 29 القوم
31
3 ثم عطف - الاستغفار
توبوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 30 القوم
إليه ضمير (الهاء) 29 الله
32
4 ربي تكرار 30 الله
ضمير المتكلم (ياء المتكلم) 31 النبي
رحيم تكرار من جهة الصفة 30 الله
ودود تكرار من جهة الصفة 30 الله
3 1 شعيب تكرار 32 النبي
34 1 نفقه (نحن) ضمير المتكلم (نحن) 32 القوم
35
4 و عطف - عدم الفقه
إنا ضمير المتكلم (نا) 34 القوم
نراك ضمير المخاطب (ك) 34 النبي
فينا ضمير المتكلم (نا) 34 القوم
36
3 و عطف 1 كلامهم السابق
رهطك ضمير المخاطب (ك) 35 النبي
رجمناك ضمير المخاطب (ك) 35 النبي
37
3 و عطف - الرجم
أنت ضمير المخاطب 36 النبي
علينا ضمير المتكلم (نا) 36 القوم
38
2 قوم تكرار 37 القوم
(ي) ضمير المتكلم ( الياء) 37 النبي
39
3 أرهطي ضمير (ياء متكلم) 38 النبي
عليكم ضمير المخاطب (كم) 38 القوم الله تكرار 37 الله
40
4 و عطف 1 الجملة السابقة
اتخذتموه ضمير المخاطب (واو الجماعة) 39 القوم
ضمير (هـ) 38 الله
وراءكم ضمير المخاطب (كم) 39 القوم
41
4 ربي تكرار 39 الله
ضمير ( ياء المتكلم) 40 النبي
تعلمون ضمير المخاطب (واو الجماعة) 40 القوم
محيط تكرار من باب الصفة 39 الله
42
3 و عطف 41 النداء الأول
قوم تكرار 41 القوم
ضمير (ياء المتكلم) 41 النبي
43
2 أعملوا ضمير المخاطب (واو الجماعة) 42 القوم
مكانتكم ضمير المخاطب (واو الجماعة) 42 القوم
44 1 إني ضمير (ياء المتكلم) 43 النبي
45
3 تعلمون ضمير المخاطب (واو الجماعة) 44 القوم
يأتيه ضمير الغائب (هـ) - أحد الطرفين
يجزيه ضمير الغائب (هـ) - أحد الطرفين
46 2 و عطف 1 الجملة السابقة
47 هو ضمير 1 أحد الطرفين
4 و عطف 3 العمل
ارتقبوا ضمير المخاطب (واو الجماعة
10/3/2009
- د.نجيب علي عبدالله السودي
ابحث
أضف تعليقاً