لم ينتشر الإسلام ونظامه في المشارق والمغارب إلا بفضل الحوار الهادف الذي يعني قبول التكافؤ بين مختلف الشعوب والأمم .
فبالحوار والإقناع وإعطاء التصور الصحيح للإسلام ، ومحاولة نقاش الآخرين واحترامهم ، تحقق انتصار الإسلام ، وتم قبول دعوته السامية القائمة على البساطة والاعتقاد الصحيح ، والتزام حقوق الإنسان ، ولا سيما العمل بمقتضى العدالة والمساواة والحرية والإخاء الإنساني والمرونة .
ومنهج الإسلام هو اتباع طريقة الحوار التام أو السوي الذي يقصد به الكشف عن الحقيقة المجردة ، وتحقيق المصادقة بين المتحاورين .
ولا فرق بين الحوار المحلي في داخل الدولة مع بعض المتطرفين ، أو الحوار الخارجي أو الدولي بين المسلمين وغيرهم من الشعوب والأمم من أتباع المذاهب والأديان الأخرى ، لتحقيق رسالة الاستخلاف في الأرض ، وتحقيق النجاح في نشر [ص-24] الدعوة الإسلامية ، فالإسلام كله دعوة دائمة للحوار مع أهل الأديان الأخرى ، وهو أيضاً دعوة خالصة لحوار الحضارات لبيان زيف الحضارة المادية وانطلاقها من الماديات فقط ، وإثبات صحة منهج الحضارة الإسلامية القائمة على مراعاة الماديات والروحانيات معاً .
والحوار أجدى على الإسلام والمسلمين من التقاطع والتدابر والانعزال ، أو العزلة أو الانغلاق والعنصرية فهو يحقق المصلحة الإسلامية ، بنشر الدعوة بطريق هادئ ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية مع المشركين ، ولأن الحوار دليل على الثقة بالنفس والمبدأ ، ولأن الإسلام كما عرفنا دين التسامح والتوازن والاعتدال ، ولا يقر ما يسمى بالإرهاب الفكري والحربي إلا للضرورة لقمع عدوان المعتدين ، واستخلاص الحقوق المغتصبة من الظلمة الغاصبين .
كما أن الإسلام في تكوين عقيدته وغرس الإيمان في النفس الإنسانية يعتمد على العقل والحكمة ، والعلم وموازينه ، وتبادل الآراء المفيدة لإظهار الحقيقة ، وإيثار المصلحة ، وتوفير مناخ السعادة ، والابتعاد عن الهرطقة والسفسطة والجدل العقيم .
ولا يغمط الإسلام ثقافة الآخرين ومعارفهم وتجاربهم ، لكنه يصحح المعوج منها أو الضارّ ، ويوجه الناس للخير دون إجبار .
ولا ينكر في الإسلام تفاوت المدارك والثقافات والنزعات ، فيكون الإسلام الذي هو رحمة شاملة للعالمين طريق إنقاذ ونجاة ، وإرساء لمعالم الحكمة والاعتدال ، بالحوار المفيد والنقاش الهادئ .
ولدينا دعوتان قرآنيتان للحوار :
الأولى : فيما بين المسلمين أنفسهم وفيما بينهم وبين غيرهم ، في قول الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل الآية 125
الثانية : أسلوب الحوار مع أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) بصفة خاصة :
وذلك في الآية الكريمة : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )سورة العنكبوت الآية 46
وعلى العكس من ذلك فإن غير المسلمين هم أعداء الحوار [ص-25] البنّاء ، كما ورد في آيات قرآنية كثيرة ، منها : (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)(سورة الكهف الآية 56) ومنها : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)سورة الحج الآية 8
5/07/2009
أ د . وهبة بن مصطفى الزحيلي
ابحث
أضف تعليقاً