عقد المنتدى العالمي للوسطية –فرع  تونس-  دورة تكوينية للائمة الخطباء بعنوان ".  يوم 22/4/ 2018. كان ذلك بعاصمة الاغالبة بالوسط التونسي حضرها ما يربو عن 80 امام خطيب بالجهة . واثثها الدكتور منذرالعلاني والدكتور سليمان الشواشي من جامعة الزيتونة والاستاذ المكوّن شكري العبيدي. وكانت بالشراكة مع  جمعية ائمة المساجد والجمعية الدعوة والاصلاح .كانت مضامين الندوة حول جوهر الخطبة الناجحة وما يجب تجنبه حين لقاء الناس، واظهارها الاسلام بمظهر الحق فيه  دينا للسعادة والوسطية وتضمنت  المحاور التالية.

المقدّمة :
- قبل الحديث عن منزع الخطبة و أسلوبها و الذي يتعيّن عليه الخروج من بوتقة الألم إلى رحابة السعادة و الاستبشار بالمستقبل و الحياة لا بدّ من التذكير في المقدّمة ببعض المحدّدات القبليّة لموضوع الخطبة
المحدّد الأوّل هو المحدّد الموضوعي : هدف الخطبة هو تنويريّ على مستوى الفكر تربويّ على مستوى السّلوك و تعبويّ على مستوى الوجدان لذلك على الخطيب أن يجنّب الخطبة الإسهاب الفقهي أو الإطناب في شرح المشاكل دون فتح التفكير على حلول ممكنة أو الإغراق في إطلاق الأحكام الملزمة دون إفساح المجال لتهيئة قاعدتها التحفيزيّة من خلال ضرب أمثلة نجاح و شواهد مصابرة و براهين اقتدار على الممكنات
المحدّد الثاني هو سياقي : زمني يتلخّص في راهنيّة الموضوع المراعي للمناسبة و لأولويّة الانشغال العام و مناسباتي يجدّد ذاكرة الأعياد و أشواقها و مكاني يُراعي طبيعة الجمهور و خصوصيّة المنطقة فخطبة في حيّ مرفّه ليست كخطبة في حيّ حروم من الخدمات
الجوهر:
- على الخطيب أن يصوغ خطبته تحت شعار الرّسالة المحمّديّة الأكبر و هو " ليضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم " بمعنى أنّه محرّر من الشهوة الجسديّة بمتعة الانطلاق الروحي ومن الخوف من المعلوم و المجهول بسكينة حسن الظنّ بالله و الناس و عدالة سنن الكون و ألم الشعور بالدونيّة و التهميش و القهر من خلال إبراز مكانة الفرد المحدود عن ربّه العظيم
- على الخطيب أن ينتبه لحقيقة كبرى و هي أنّه لا يخاطب وعي الناس الذي هو الإدراك المباشر و الفهم الآني و التحليل السّريع و لكن يخاطب اللّاوعي الذي هو أبقى أثرا و المتمثر في خزّان المشاعر و الخبرات و العادات و الأحكام القيميّة و الذوقيّة مع حشد الشواهد الواقعيّة من خطب يسير فيها خطاب الوعي في اتجاه و خطاب اللّاوعي باتجاه معاكس
- لا بدّ من مراعاة مجموعة من الوجّهات :
1- خطبة الجمعة تكون مؤلمة إذا فاق مقدار النّهي عن المنكر فيها مقدار الأمر بالمعروف بل إنّ الأمر بالمعروف مع حشد شواهده هو الذي ينبغي أن يكون القصد لأنّ الأسلوب العلميّ في التربية يقضي بأن يقول أنّ إزاحة المنكر تتحقق فقط عن طريق توسيع مساحة المعروف مع ملاحظة ما يقع في أذهان الخطباء من اعتماد نهج "يُفرغنا و يُملينا" ذلك أنّ هذا المنهج يستقيم ع الأفكار و عكسيّ مع المشاعر و مناهج التربية
2- على الخطيب أن يغلّب على خطبته المعجم الإيجابي المبشّر لأنّ لكلّ كلمة طاقة توافقها من جنها و رابط ذهيّ يثير المشاعر المصاحبة أثاء تلقّي الخطبة فإطناب الأئمّة من التفجّع و التركيز على المشاكل و الإدانة و الإنكار يكثّف مشاعر الألم المصاحبة و يكون الألم أشدّ إذا أضاف إليه رفع الصّوت و توتّر الإلقاء
3- الخطبة المؤلمة هي التي تصوغ كلّ الأمثلة المشرقة من الماضي و الأمثلة المظلمة من الحاضر المعيش فهي توجّه رسالة للّاوعي بأنّ الحاضر هو ممحّض للشقاء و الماضي هو حيّز الإشراقات المبهرة مع تقديم أمثلة كثيرة لهذا النوع من الأخطاء
4- الخطبة المؤلمة هي التي تبالغ في تصوير طمالات الماضي و تهوّل في المقابل في تقديم كراهات الحاضر لأنّها تقدذم رسالة للّاوعي معاكسة تقول إنّ الماضي لا يمكن أن نطاله بالإقتداء لأنّه معجز بالقياس إلى فداحة الحاضر
5- الخطبة السّعيدة هي التي تجعل المتلقّي ينظر إلى الحاضر بعين المستقبل المستبشر بالأمل و المتفتّح على الممكنات الخيّرة و ليس بعين الماضي المشبعة بالإدانة و الاتّهام بالتخاذل و التقصير مع تقديم شواهد للتقدّم
6- الخطبة السّعيدة هي التي تركّز على ما نريد و ليس على ما لا نريد فلا ينبغي إغراق الخطبة في في تشخيص المشاكل و إنّما في إبداع احتمالات الحلول المرادة و ظلك باتباع منهج الحلّ صعب و لكنّه ممكن و ليس منهج الحلّ ممكن و لكنّه صعب مع تقديم أمثلة من واقع الناس
7- الخطبة السّعيدة هي التي يخرج سامعها و هو ممتلئ بقناعة أنّ الله ما جعل علينا في الدّين من حرج و أنّ الله يريد بنا اليسر و لا يريد بنا العسر مع تقديم مثال صارخ و هو الطريقة التي يُقدّم بها صوم رمضان على أنّه حرمان و ليس على أنّه ارتفاع بنفس الانسان و رفع لأستار المادة في سبيل إعراج الروح فثمّة فرق بين من يقدّم الصيا على أنّه ألم الجسد و بين من يقدّمه على أنّه سعادة الروح و مهرجانها
8- الخطبة السّعيدة : هي التي تعزّز قدرات التوبة لأنّها لا تركّز على جلد الذات و إنّما على تجديد الإشراقات الكامنة في نفوس الناس مع التحذير من النزعات الطّهوريّة التي تُقدّم الخطبة بروح الإنكار و التألّه و ليس بروح الإعذار و خفض الجناح مع تقديم أمثلة للنزعة الطّهوريّة التي تعظّم الذّنب إلى درجة التقنيط ن التوبة
9- الخطبة السّعيدة : هي التي تجعلك تتوقّع من نفسك خيرا و من واقعك إزدهارا قادما لأنّ الخطوة الأولى للانطلاق في تعمير الذات و المجتمع قبل النيّة هو التوقّع مع اعتماد تقنية البرمجة اللّغويّة العصبيّة من خلال الدّعاء فالدعاء المبثوث بين ردهات الخطبة هو نوع من الرمجة و الترويح لا ينبغ أن يغفل عنه الخطيب
10- الخطبة السّعيدة : هي التي تراعي تغيّر علاقة النّاس بالزّمن التي صارت أكثر تعقيدا و أكثف شواغلا و أسرع تقلّبات فلابدّ أن لا تتجاوز الخطبة 20دقيقة لا يتمّ خلالها التشويش على موضوعها الأساسي بالاستطراد و العناية باللّغة على حساب زمن الموضوع
11- الخطبة السّعيدة هي التي تركّز على الإيمان أكثر ن الإسلام و تمنح المتلقّي فرصة للتعرّف على الله و الاستمتاع بسلام الوجود في تحت رعايته و كرمه و رحمته الواسعة
مع تجنّب المنزع الشكلاني الذي يهتمّ بالكيفيات و يهمل طاقة المكنونات و ينشغل بالأحكام و لا يفتح الأفئدة على المقاصد