الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد بن عبد الله، وقد قال الله تعالى في محكم آياته: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).
إن تربية الأجيال على نحو قويم تعتمد على جهود الأسرة ومؤسسات التعليم والتربية، غير أن الأسرة في الغالب ارتكزت في التربية على المدارس والجامعات، وأهملت أداء واجبها الأساسي في هذا المضمار، فصارت المؤسسات التعليمية تتحمل هذا العبء الأكبر إذا قامت بواجبها أيضاً، ونجاح المؤسسات التعليمية عبر مناهجها مرتبط أساساً باختيار أفضل الوسائل والبرمجة، وأصالة المعرفة القائمة على الوسطية، والتركيز على الغايات، وإعداد المناهج المدرسية المناسبة لجميع أبناء الوطن في مراحل التعليم المختلفة.
إن المؤسسات التربوية ( المدارس والمعاهد والجامعات) منها اليوم ما هو قويم المنهج، ويعتمد على الوسائل الناجعة في تربية الجيل، ويضع المنهاج الصحيح في مختلف سنوات أو صفوف الدراسة، منها ما هو تأثر سلبياً في الفكر والممارسة، بسبب هيمنة الأفكار الغربية والنظريات المستوردة، والاتجاه نحو العلمانية، أو العولمة في عصرنا، مع تناسيها واجبها الأساسي باختيار أفضل الوسائل للتعليم والتربية، وأقوم البرامج، والتركيز على الغايات والأهداف التربوية الصحيحة التي تنطلق من مقومات الأمة المسلمة العاملة بالقرآن والسنة النبوية، والمحافظة على ديمومة ونضارة وازدهار التاريخ والتراث الإنساني والحضاري العربي والإسلامي.
وأغلب المؤسسات التعليمية اليوم حصرت دورها بحشو أذهان الجيل بمعلومات ومعارف نظرية، وثقافات مستوردة، لنيل الشهادات العلمية، مع إهمال مادة التربية الدينية والأخلاق، وعدم مراقبة سلوك الطلبة، وترك العناية بمشكلات التربية، ولا سيما في مرحلة المراهقة، وإبعاد ساحة العبادات والفرائض الإسلامية عن مجال التطبيق العملي.
إن العقل الإنساني علمياً يتشكل نتيجة تأثير عدة مؤسسات ومن أهمها المؤسسة التربوية، فإذا كانت المخرجات والنتائج غير سليمة ولا تعكس الانتماء فالسبب حتماً يعود إلى هذه المؤسسات ومنها المؤسسة التربوية والمدرسة خاصة حيث قد تفشل في تحقيق أهدافها التربوية والتعليمية،ويتعرض الطالب للانحراف بسبب عوامل قد ترجع إلى البيئة المدرسية أو إلى الطالب ذاته أو كليهما معاً، كما أن سوء معاملة بعض المعلمين للطلاب أحد عوامل النفور من المدرسة وكذلك فان الكثافة الزائدة لعدد الطلبة في الصفوف يترتب عليها عدم استفادة كثير من الطلبة ويجد الطالب في الهروب من المدرسة تخفيضاً للتوترات والقلق،وقد يؤدي عدم توافق النشاط اللامنهجي غير المتوافق مع احتياجات غالبية الطلبة إلى محاولتهم البحث عن وسائل أخرى خارج المدرسة يصرفون فيها ما لديهم من طاقات، كما أن لأصدقاء السوء دوراً كبيراً في انحراف الطلبة ولذا يجب على المدرسة استشعار أهمية كشف مشكلات الطلبة قبل استفحالها فيندفع الطلبة إلى السلوك العدواني كالتخريب والسرقة والعنف وربما الهروب من المدرسة.
وتعتبر التربية والتعليم من أهم مداخل الإصلاح الفكري بنشر العلم باعتبارها رافعة لتنمية الموارد البشرية وتكوينها، ومن هنا فإن على المؤسسات التربوية مسؤولية تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، نظرياً وعملياً في نفوس وعقول أبناء الأمة ويتم ذلك في مرحلتين:
المرحلة الأولى: بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة الممثلة لحضارة الإسلام فكراً وسلوكاً، هذه الشخصية التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم بناءاً متيناً على العقيدة النقية الصافية، والأخوة الإيمانية والشعور بالمسؤولية، والقدرة على الفعل الحضاري.
المرحلة الثانية: نقض الفكر المضاد للتطرف فكر التعصب والتقليد الأعمى والانغلاق، ليحل محله الاجتهاد والحوار، وإشاعة أدب الاختلاف والحوار.
وللوصول إلى أهداف هاتين المرحلتين عملياً لا بد من تخصيص مساحة كبيرة في العملية التربوي لاعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية، وإصلاح هذه المفاهيم التربوية عبر غرس ثقافة التجديد في الفكر الإسلامي لتصحيح النظرة، لنستطيع التمييز بين فقه الشريعة وبين الاجتهاد والفتوى.
وإن التعمق في فهم حقيقة الإسلام في حضارته المادية والروحية، وعقيدته القائمة على التوحيد، وعباداته المعنية بتهذيب الفرد والجماعة، وإدراك مفاهيم الاعتدال في الإسلام التي ينبغي التركيز عليها في مناهج التعليم في جميع مراحله الأساسية والثانوية والجامعية، وهي الكفيلة بإعداد أو تربية وتنشئة المواطن الصالح، وتحقيق الإشعاع الفكري والعقدي والاجتماعي، والتصور الصحيح للإسلام ومبادئه ولفت أنظار العالم إلى حقائق وأباطيل خصومه، ولا سيما أولئك الذين يشوهون حقائق الإسلام.
ونجاح العملية التعليمية في دورها بهذا المجال يؤدي إلى تحقيق جملة من النتاجات التعليمية التالية :
ولتحقيق ذلك فانه يقع على المدرسة مهام إدارية وتعليمية منها :
فالمدرسة بقيمها الديمقراطية تنتج جيلاً ديمقراطياً متسلحاً بالقيم التي ترفض التسلط والاستبداد وتعزز مفاهيم الخير والأمن وتتمسك بقيم العدالة وتنادي بحقوق الإنسان وفق القنوات السليمة المستمدة من الشريعة الإسلامية، وتعمل على الاحترام المتبادل للحقوق والواجبات.
وحل الخلافات بالحوار والمناقشة وبمعنى آخر فالتربية الأسرية هي صانعة الديمقراطية والتي هي أساس الحياة، ونبذ التعصب والتربية الأسرية نواة التربية المجتمعية لأنها قلب الديمقراطية في المجتمع بل أن تلك التربية الأسرية التي تعتمد على حرية الرأي والديمقراطية تربي لدى الفرد القدرة على إبداء وجهات نظره وامتلاك الوعي والإدراك السليم لأهمية بناء مجتمعه ووطنه، بقيام النظام التربوي بوظيفته مما يؤدي إلى تجانس المجتمع من خلال ما يقوم به النظام التعليمي من نقل معايير وقيم المجتمع من جيل إلى آخر.
الدور الوقائي للمدرسة في مكافحة سلوك العنف والتطرف
على رغم تعالي الأصوات حول فشل المناهج الدراسية في تشريب الناشئة المعايير والقيم الاجتماعية الإيجابية فإنني اعتقد أن المناهج الدراسية كانت لها آثار إيجابية في الماضي تمثلت في استقرار النظام الاجتماعي والثقافي في المجتمع،ومازالت تؤثر حتى الوقت الحاضر. وعلى رغم كل ما يطرح عن فشل المناهج الدراسية وضرورة إعادة النظر فيها إلا أننا نعتقد أن هناك عناصر إيجابية في المناهج الدراسية عملت على المحافظة على الأمن الفكري، فالماضي ليس كله شراً كما أن الحاضر ليس بالضرورة هو الأفضل.
إن من أهم المواد الدراسية التي تساهم بدور فاعل في خدمة الأمن لدى الطلبة هي مواد التربية الإسلامية التي تدرس في جميع المراحل الدراسية منذ المرحلة الابتدائية إلى أعلى المراحل الدراسية، وتقوم مواد التربية الإسلامية على ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الطلبة في المراحل الأولى للتعليم، ومما لا شك فيه أن انعكاس هذه العقيدة على سلوك التلميذ سوف يجعل منه مواطناً صالحاً مساعداً في أمن وطنه وأمانه، وباستعراض دروس التربية الإسلامية في المرحلة الابتدائية نجد أنها ترتكز على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تربي النفس على القيم الفاضلة وتحذر من انتهاك المحرمات والفساد في الأرض. وعند استعراض هذه المنهاج فإننا نجد موضوعات مهمة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، ومفسدات علاقة المسلم بأخيه من منطلق تحريم الظلم.
وتجدر الإشارة إلى أنه على رغم أن مواد التربية الدينية في المدارس تشكل حجر الزاوية في التوعية لحفظ المجتمع من الجريمة والانحراف إلا أن المواد الدراسية الأخرى تؤدي دوراً مهماً في مساعدة المواد الدينية على تأصيل هذا الجانب، وباختصار يمكن القول بأن المدرسة في المجتمع تؤدي دوراً حيوياً في نشر الوعي الفكري بين التلاميذ، وتشكل لبنة مهمة من لبنات بناء المجتمع.
وعلى رغم الدور الإيجابي الذي تؤديه المدرسة في تفعيل آليات الضبط في المجتمع إلا أن التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم والمجتمع في الوقت الحاضر أصبحت تفرض على القائمين على العملية التربوية مسؤوليات مضاعفة تتجاوز حدود التعليم في نمطيته التقليدية، وتفرض عليهم أيضاً الاطلاع بدور أكثر أهمية في تشريب الناشئة المعايير والقيم التي تحافظ على أمن واستقرار المجتمع. إن الجسم التربوي في الوقت الحاضر أصبح يعاني اليوم من الكثير من الضغوط بسبب قصوره عن أداء بعض الأدوار المناط بها مما يتطلب إعادة النظر فيه بعقلية انفتاحية لا ترفض القديم كله ولا تقبل الجديد كله دون دراسة وتمحيص.
الدور المأمول من عناصر العملية التربوية لتأصيل الفكر المعتدل
التعليم هو عملية متكاملة يعتمد التعامل والترابط فيها على أربعة مقومات أساسية هي: الطالب، والمنهج، والمعلم، والبيئة المدرسية، ولا يمكن النهوض بالعملية التعليمية دون تحسين العوامل الثلاثة حيث إنه لا يمكن مناقشة الدور المأمول من المدرسة في مواجهة الفكر المتطرف بمعزل عن تطوير عناصر العملية التربوية الثلاثة السابق ذكرها، وسوف يتم استعراض الأبعاد الأساسية لكل عنصر من عناصر العملية التربوية على النحو الآتي :
أولاً: المعلمون :
يمثل المعلم النواة التي يمكن توصيل المعلومة من خلالها إلى الطالب وإذا لم يكن المعلم متمكناً من المادة العلمية التي يعرضها لطلابه فإنه لن يستطيع توصيلها بشكل سليم إلى الطلبة وبذا تفشل العملية التعليمية.
والمعلمون يمثلون بدائل الآباء، وهم الراشدون خارج نطاق الحياة الأسرية الذين يقومون بأدوار مهمة في حياة الصغار، ومن المعلمين من يعاون الصغير في التغلب على الإعاقات والقصور والمشكلات التي تعيق نموه وتعترض ميوله، ومنهم من يعرقل المسيرة الصحيحة أمام أبنائه من التلاميذ.
والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في العملية التعليمية فإنهم يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة، وعن طريق تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها، وإضعاف الاستجابات السلبية وإطفائها.
ولشخصية المعلم في قاعات الدراسة إسهام في تشكيل شخصيات التلاميذ إذ أن سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع تلاميذه وطريقة تهذيبه لهم، وهذا بدوره يؤثر في اتجاهات التلاميذ نحو التعلم.
ولذا فإنه من الضروري انتقاء المعلمين الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب، بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق، ويجب أن يحفز المعلم طلابه على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة.
يجب أن يعد المعلمون إعداداً جيداً قبل الخدمة وأثنائها للقيام بعملية التربية بحيث يمثلون القدوة الحسنة لدى طلابهم فيقتدون بهم في سلوكهم ويلتزمون بتوجيهاتهم، فالمعلم هو العمود الفقري للعملية التربوية وعليه
فهذا المعلم يجب أن يتصف بالصفات التالية:
ثانياً : البيئة المدرسية:لا يمكن للمتعلم أن يتلقى التعليم بشكل جيد ويستفيد منه ما لم يوجد في بيئة تشجع على الإبداع وتحفيز التفكير وتدفع بالفرد إلى آفاق من التعليم القائم على التفكير الإبداعي والبعيد عن القوالب الجاهزة والمعلبة، ونقصد ببيئة الدراسة الثقافة السائدة في المدرسة، أي المعارف والاتجاهات والقيم السائدة في المدرسة ومن صور ذلك :
ثالثاً : المناهج المدرسية:
تعد المناهج المدرسية هي عماد العملية التعليمية وهي الوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية، ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر وقادرة على حماية الطلبة من بواعث الانحراف فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها في المناهج الدراسية لكي تصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة ووضع خطة إستراتيجية للمنهج الدراسي بحيث تستلهم إستراتيجية المنهج أهدافها من الدولة للسياسة التربوية.
ويقصد بذلك أن تكون الأهداف التربوية منبثقة من حاجات المجتمع المتغيرة، حيث إن مواصفات الطالب في الوقت الحاضر هي نتاج للعملية التعليمية ومخرج لها يجب أن يوافق احتياجات المجتمع المتغيرة، وهذا يعني أن تحديد المهددات الفكرية والاجتماعية في الوقت الحاضر ويجب أن يأتي ذلك ضمن أولويات المنهج الدراسي، بحيث يخرج الطالب من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يخدم الصالح العام.
خصائص المناهج المدرسية المعاصرة
رابعاً: الطلبة:
الملاحظ أن التعليم في المجتمع يقوم على ما أسميه التعليم التلقيني، فالطالب يحفظ المعلومة حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وبذا فالطالب يعد وعاء لتلقي المعلومة دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها،والأفراد الذين يمرون بتجربة هذا التعلم يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير أو النقاش، مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيداً سهلاً ليصبحوا مسخرين فكرياً وعملياً.وبذا فإن تفعيل الدور الوقائي للمدرسة في مقاومة السلوك المتطرف يجب أن يقوم على أساس تعويد الطلبة على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.
ويجب على المدرسة كمؤسسة تربوية تحديد الجماعات المستهدفة أو الهشة والتي يقصد بها أي جماعات محددة داخل المجتمع الكبير يمكن أن تكون عرضة للانسياق وراء الأفكار الهدامة ومحاولة توجيههم ووضع برامج خاصة لهم، كما أن عدم القدرة على استيعاب حاجات الطلبة يمكن أن يؤدي إلى تسربهم خارج السلك الدراسي مما يدفعهم إلى ممارسة السلوك الإجرامي.
ويجب أن يشجع الطلبة على القيام بالأنشطة اللاصفية التي تعودهم على روح العمل الجماعي وإبداء الرأي والنقد للرأي الآخر مع احترامه ومن أمثلة هذه الأنشطة:
وسائل تفعيل الفكر المعتدل لدى الطلبة
بعد أن اتضح لنا جلياً المعنى الحقيقي للفكر المعتدل الذي أراده الله لهذه الأمة وفقاً للكتاب والسنة فما علينا نحن كتربويين إلا أن نقوم بتفعيله لدى الطلبة من خلال طرحه على حقيقته دون تدليس ولا تلبيس، إذ أن من عناصر قوة أي فكر، تقديمه كما هو منذ البداية، والفكر الإسلامي المستوعب لحركة الزمن وتغير الظروف أولى من غيره، وأن يُطرح على حقيقته كما جاءت أصوله في كتاب الله وسنة رسوله لا أن يطرح مبتوراً، أو ناقصاً، مشوَّهاً، أو مفسَّراً تفسيرات خاضعة لعوامل تغير الزمان والمكان والإنسان !ومن هنا فإن الفكر الإسلامي لا يَقْدُم بتقدم الزّمن ولا يبلى، ولا يعتريه العجز في يوم ما عن تقديم الحلول، ولا تقعد به التطورات التي يشهدها العالم عن أداء دوره المصيري الذي لا يمكن لأي فكر آخر أن ينهض به.
ولا بدّ للنخبة الواعية المفكرة من القيادات التربوية أن تتعامل بهذا الوضوح والصراحة في كافة أشكال التعامل، وعلى أساس المبادئ والأصول الإسلامية، لكي تتعمق الأفكار الإسلامية في الأمة، وتتضح معالمها من خلال التطبيق العملي، ولكي يتولّد عندها شعور بأنّ الإسلام ليس مجرد أفكار نظرية مطروحة ؛ بل يمتلك القدرة على تسجيل المواقف واتّخاذ القرارات، وتحديد طريقة التعامل مع الأحداث، وهذا ما يدفع بالتالي إلى تعاظم ثقة المسلمين بإسلامهم وأفكاره وحلوله ورؤاه، ويزيد من تمسّكهم به وإصرارهم عليه، ممّا يعني ارتفاع مستوى المقاومة لدى الإنسان المسلم، وصعوبة سريان السموم الفكرية إليه سواء الغالية أو الجافية.
وعندما يتحول الفكر الإسلامي إلى قناعة كاملة تملأ على الإنسان روحه وعقله ؛ يجد المسلم نفسه مقصر أمام الأمانة التي حمله الله إياها،وقد قال الله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب72). مركزين على إن الاعتدال في التفكير حفظ لهذا الدين من تيارات هي في الحقيقة هادمة له ، وهذه التيارات إما أن تكون غالية متشددة تخرج الإسلام عن اعتداله وحقيقتة، وتذهب عنه رونقه ونقائه وصفائه وسماحته إلى الشطط والتشدد وتكليف النفس ما لا تطيق، وتحميل بعض القضايا ما لا تحتمل، وتضخيم قضايا أخرى هي في الحقيقة أقل مما ضخمت له حتى وصل الحال عند البعض إلى تبديع الناس وتكفيرهم، وفي بعض الأحيان إلى تكفيرهم، وهذه التوجهات أو التيارات ليست على وتيرة واحدة، بل هي متناقضة في المقاصد، ولكنها تنحوا نفس المنحى من التشدد والتعصب وسرعة الحكم على المخالف.
يقول صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)، يقول ابن القيم ــ رحمه الله ــ فأخبر أن الغاليين يحرفون ما جاء به، والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه والجاهلون يؤولونه على غير تأويله، وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاث فلولا أن الله يقيم لدينه من ينفي عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء.
لذا فلا بد من إعطاء العدول من المعلمين الأكفاء، الذين يحملون هذا الدين، وهذا العلم المكانة اللائقة بهم، وعلى تلك الفئة المربية أمانة عظيمة في إيصال صوت الحق من خلال تنظيم المحاضرات، وعقد الندوات الفكرية وإقامة اللقاءات والحوارات المفتوحة مع أبنائهم الطلبة، وإعطاء أبنائهم الطلبة الحرية والأمان في طرح أفكارهم، ثم مجادلتهم بالتي هي أحسن على شكل جماعات أو فرادى بحسب المقام والمقال، وعلى المربين أيضاً المشاركة حسب الإمكانية في القنوات المتاحة من تلفاز وصحافة، وغيرها لإيصال الكلمة الصادقة إلى كل بيت، وإلى كل طالب.
إن الطلبة إذا لم يجدوا المعلم الصادق والمخلص، الذي يدلهم على الفهم الصحيح للدين فسوف يذهبون إلى هنا أو هناك بالأفكار والتصرفات إلى أمور لا تحمد عقباها، كما لا يفوتنا أن نؤكد على أهمية احتواء الشباب وتفريغ طاقاتهم، وتحقيق طموحهم، وإشباع ميولهم في أجواء تربوية آمنة، وتحت مظلة رسمية، وبإشراف نخبة من المعلمين الأكفاء من خلال الأنشطة المسائية المدرسية، والمراكز الصيفية، وما شابهها، فتركهم قد يتيح الفرصة لأصحاب الأهواء في اصطيادهم لتفريغ طاقاتهم في أماكن مشبوهة لا تحمد عقباها
التوصيات
حنان عواد الفاعوري
مديرة مدرسة أكاديمية السلط الثانوية للبنين
منقول عن صحيفة الرأي
بتاريخ: 17/6/2010
ابحث
التعليقات
غياب الاهتمام بالأنشطة الإعلامية وتطوير قوالب التربية
غياب التربية الإعلامية في البيئة المدرسية يؤثر بالدرجة الأولى على فكر وسلوك الأجيال القادمة وقد طرحت منذ سنوات فكرة تفعيل نشاط المركز الإعلامي في المدرسة بمشاركة عدد من المعلمات لتخصصات رئيسية وفرعية كلجنة للبرامج الإعلامية وعدد من الطالبات يترأسهم مشرفة إعلامية ليتشارك الجميع في تصميم البرامج والرسائل التي تعزز القيم الفكرية والسلوكية الإسلامية باستثمار كافة الوسائل الإعلامية ف البيئة المدرسية على أن يشارك الطالبة بابداعاتهم في تصميم قوالب العرض ليكونوا شريكا في إصلاح جيلهم
أضف تعليقاً