wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
التجديد في فكر الإمام الصادق المهدي
السبت, July 23, 2016

اعداد: عبدالمحمود أبّو

 

إن المحتفى به؛ مجتهد، ومفكر إسلامي جمع بين الأصالة والمعاصرة ، فإضافة إلى تشرُّبه للإسلام عقيدة وشريعة واستيعابا لتعاليمة ؛ بحكم تنشئته في أسرة تمثل القيادة الدينية لأكبر شريحة إجتماعية في السودان ـ  فقد درس كل المدارس والفرق والمذاهب الإسلامية؛  واستوعب منطلقاتها ومصادرها وخلفياتها والبيئة التي نشأت فيها؛ وله  إلمام واسع  بالفكرالحديث بمدارسه المتعددة ، بل عاش في حاضرة الحضارة الغربية؛ دارساً ومحاضراً ومتأملاً . كما أنه طاف كل أرجاء المعمورة؛ لأغراض مختلفه ، ولكنه أيضاً كان يراقب ويتأمل التغيُّرات والتطورات التي تشهدها تلك العوالم ، وقد أشار إلى ذلك في أحد مؤلفاته حيث قال : ( لقد هيأت إلي الظروف في الأعوام 1986 ـ 1989 أن أزور كثيراً من بلدان الشمال وبلدان الجنوب، ووجدت في موسكو ملامح تجديد لم ألمسها فى عام 1980، وفي واشنطون استعداداً للاستماع إلى رأي خارج قطبي الحرب الباردة ، وفي ألمانيا إحساساً بثقة جديدة ، وفي طوكيو استعداداً لدور جديد، وفي الصين الشعبية تخلياً عن النهج المعهود إلى الإعتبار بالنتائج ، وفي العالم العربي والعالم الأفريقي ضيقاً بالشعارات التي ما حركت يوماً ذبابة ، وفي طهران اقتحاماً بنهج تأصيلي لا يهمه موقعه في عالم اليوم ، شهدت بذوراً وسمعت أحاديث لا يستغرب معها طي الصفحة القديمة وفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية )  فالرجل كان شغله الشاغل يتمثل في كيفية التوفيق بين حقائق الإسلام وحقائق العصر ولعلّ الدارس لأفكاره يجد هذِا الهم حاضراً في كل كتاباته ، أيضاً فإن التعايش بين الأديان والتنافس السلمي بينها ظل يشكل حضوراً في أفكاره ، لأن عالم اليوم بوسائل اتصالاته ومواصلاته جعل التواصل بين الشعوب ؛ بعقائدها المتعددة أمراً محتوماً ، فلا بد من إيجاد صيغة للتعايش السلمي بين الأديان ، كذلك فإن موضوع البعث الإسلامي في العصر الحديث؛ يشغل باله ، فضلاً عن إهتمامه  بضرورة مراعاة حقوق غير المسلمين في البلدان المتعددة الأديان ، وامتدّ اهتمامه إلى كل ما أفرزه الفكر الإنساني من مفاهيم تشكل تحدياً للفكر الإسلامي مثل : حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة ، والدولة العصرية  وسوف أستعرض في هذه الورقة موضوع الوسطية في فكر الإمام الصادق المهدي :

لقد اعتمدت في اعداد هذه الورقة على بعض مؤلفات الإمام الصادق المهدي ذات الصلة بموضوعنا وهي:

الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة

مستقبل الإسلام في السودان

تحديات التسعينات

نحو مرجعية إسلامية متجددة

بحوث قدمت في مؤتمرات مختلفة

المحور الأول: مفهوم الوسطية:

تحدث الإمام عن مفهوم الوسطية قائلا: لكل شئ في الحسيات طرفين ووسط فإذا أُمسك بأحد الطرفين مال الآخر وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان.

هذا المفهوم نُقل من الحسيات إلى المعنويات ففي تناول الأمور يَرِد الإفراط أي تجاوز القدر من الأمور ويَرِد التفريط أي التقصير وبين الإفراط والتفريط يكون التوسط. إذن الوسطية هي المنهج الوسط بين الأفراط والتفريط. لقد وصف الإسلام نفسه بالوسطية في كل أموره وهو كذلك ـ مثلاـ عقائد البشر في الغيبيات تقوم في حد منها على تعددية الآلهة وفي الحد الآخر تقوم على وحدة الوجود. الإسلام يقوم على الإله الواحد والكون أي ثنائية الوجود. ويقول قوم: باللاهوتية المطلقة أي أن الإنسان مجرد متلق، ويقول آخرون بناسوتية مطلقة أي أنه مؤلف كل شئ. الإسلام يقوم على توفيق لطيف بين اللآهوت والناسوت؛ أي بين الوحي والعقل. ومن النحل ماهو فرداني ومنها ماهو جماعي، ويقوم الإسلام على توفيق لطيف بين الفردانية والجماعية، وفي الأخلاق يقوم الإسلام على أن خير الأمور أواسطها. آيات كتاب الله تنطق بهذه الوسطية في القضايا المختلفة وتصف بها أمة الإسلام. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)*: الوسطية هي نسيج الإسلام وهي منهجه. ان في الإسلام توفيقا لطيفا بين أطراف تتجاذب الإنسانية فتتأرجح بينها الملل والنحل . تلك الأطراف هي : الوحي ، والعقل ،والروح ،والمادة، الفردية والجماعية ، الثبات والحركة .وهو توفيق فات الرسالات الأخرى لأنها كانت قومية ومرحلية؛ ولكنه لزم الإسلام لأنه الختام ولأنه للناس كآفة . هذا التوفيق هو معنى الوسطية؛ وهو سر الصراط المستقيم . هذه المعاني فاتت على كثير من المستشرقين، وعلى النسخيين، وغيرهم؛ فوقعوا في خطأين هما :الأول: قاسوا الإسلام على غيره من الملل وقارنوا دروه بدورها ، والثاني : قبلوا مقالات المسلمين المقلدين وحصروا الإسلام فيها؛ الاسلام دين الفطرة، بنص الآية الكريمة:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ  تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"[الروم:30]

والفطرة تعني مجموع الاستعدادات والميول والغرائز التي تولد مع الإنسان، فبينما جاءت مفاهيم بعض العقائد مصادمة للفطرة ، وأخرى منساقة لغرائزها، جاء الاسلام منسجما مع مطالب الفطرة، ومهذبا لغرائزها ، وضابطا لميولها.

وجاءت تشريعات بعض الأديان منحازة للجوانب المادية، بينما نجد بعضها موغلة في الجانب الروحي، فابتدع أتباعها رهبانية ماكتبت عليهم، لقد جاء الاسلام موفقا بين كافة الثنائيات التي شغلت الفكرالانساني ردحا من الزمان: الروح والمادة، والعقل والنقل، المثال والواقع، الدنيا والآخرة،..الخ ونجد في تعاليم الاسلام تشريعا لكل المواضيع التي تشكل أهمية في حياة الإنسان، وفق ضوابط تحدد لكل موضوع مجاله وحدوده ، كماجاءت التشريعات الاسلامية مكملة لأحكام الرسالات السابقة ، ومصدقة لها، ومعترفة بشرعيتها التاريخية.

إن المتعمق في الإسلام يدرك بوضوح صلته الرحمية بالرسالات السابقة، ومراعاته للطبيعة البشرية المحاطة بعوامل الضعف، ودعوته للتأمل والتفكروالتدبر؛ لمعرفة سنن الكون وتسخيرها لوظيفة الاستخلاف.

إن مصطلح الوسطية ليس مصطلحا هلاميا ، ولا نظريا ولا خياليا؛ حتى يذهب فيه كل إنسان حيث شاء وبما شاء، فليس هو التعادلية التوفيقية؛ التي دعا إليها بعض الكتاب والمفكرين، وليس هو الحياد السلبي، أو هو المحافظة على وضع الوسط المكاني بين طرفين؛ كثمرة للعقل الهروبي من المسئولية والفعل، وإنما هو مسؤولية وتكليف وأمانة، ذو دلالة شرعية؛ هي إطار مرجعي لفعل الإنسان ، يتطلب سلما من القيم، يرتكز عليها في مقدمتها الإيمان بالله والتوحيد، والمساواة التي تقتضي الحرية، والعدل ومواجهة الظلم والانحراف والتحريف والتمييز، وإيقاف التسلط، وضبط النسب والتوازن، والاعتدال، واستشعار المسئولية والرقابة، وإعطاء كل ذي حق حقه، والسهر على ذلك والمسؤولية عنه بإيمان واحتساب

الوسطية هي الاعتدال في كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف، وهي تحر متواصل للصواب في التوجهات والاختيارات، فالوسطية ليست مجرد موقف بين التشدد والانحلال؛ بل هي منهج فكري وموقف أخلاقي  وسلوكي، كما ذكر في القرآن الكريم:" وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ  لاَ  يُحِبُّ المُفْسِدِينَ" حيث تشير تلك الآية إلى أهمية الوسطية وتحقيق التوازن في الحياة. قال صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"

الوسطية تعني السماحة والإعتدال في التكليف، وترك المغالاة في الدِّين والتكلُّف فيه، إنّ الوسطية منهج يُمَكِّن المسلم من فهم الأمور فهماً صحيحاً، ومن ثم يتعامل معها بوعي، ففي مجال العقيدة يُحقق وَحْدانية الخالق،  وفي مجال العبادة يُراعي مَقاصدها الاجتماعية، ويدرك أنّ أساس الأخلاق هو أنْ تُعامل الناس كما تُحب أن يُعاملوك، ومنهج الوسطية يجعل المرء ينظر إلى الأمور بتوازُن ووعي وتكامل.

إنّ معالم الوسطية تتمثل في الآتي :

أولا: الجمع بين الأصالة والمعاصرة ؛ فالوسطية  تلتزم بالأصالة كمرجعية، ولا تهمل المعاصرة كفضاء للتطبيق، وتفاعل بين النص والواقع.

ثانيا: التوفيق بين علم الشريعة المُتَمَثِّل في الأحكام الشرعية الخمسة،والمبادئ والمقاصد؛ وبين علم التَّزْكية الذي يخاطب الوجدان ليرتقي بالإنسان إلى مرحلة التذوق الإيماني. .

ثالثا : التميِيز بين الثوابت والمتغيرات؛ فالأحكام الشرعية تنقسم إلى أصول؛ أحكامها ثابتة؛ تتمثل في العقائد والعبادات وأصول الأخلاق، وفروع ووسائل، أحكامها مُعَلَّلة وتَتَغيَّر بتغيُّر العلل.

رابعا: التوفيق بين ظواهر النصوص وقراءة ما وراء النصوص، من معاني تستبط بالتأمل والتدبر والتفكر.

خامسا: الالتزام بالتيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة؛ فالأخذ بالرُّخص ، ومراعاة الضرورات ، واستصحاب الواقع، والعرف؛ من الأمور التي ينبغي أن تراعي في الفتوى .

سادسا: مراعاة الواقع : التعاليم الإسلامية لا تُطبَّق في فراغ وإنما يقوم بتطبيقها الإنسان بكل خصائصه، وفي واقع تختلف طبيعته من بيئة لأخرى، مع معرفة المكونات الفكرية، والخلفيات الثقافية، للمخاطب، واختيار المداخل المناسبة تطبيقا لمبدأ الحكمة المطلوب في الدعوة ؛ قال تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " 

لذلك فإن منهج الوسطية يراعي الواقع ويزاوج بينه وبين الواجب؛ على أساس قوله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: " لوﻻ أنّ قومك حديثوا عهد بالإسلام؛ لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد ابراهيم " مراعاة للواقع.

سابعا : مراعاة الضرورات : الإنسان مخلوق من طين وفيه قَبَسٌ من روح الله ، ومن خصائصه العقل والحرية والإرادة والوجدان ؛ وهذه لديها مطالب ضرورية لتحقيق إنسانية الإنسان، وتمكينه من تحقيق وظيفة الإستخلاف التي خلق للقيام بها . قال تعالى : " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " فالحاجات الضرورية اهتم بها الإسلام وشرَع لتلبيتها وصيانتها، وليس هنالك أمر ضروري للإنسان؛حرَّمه الإسلام، وإنما وضع ضوابط شرعية لإشباعه، مع مراعاة التوازن بين حاجة الفرد والمحافظة على النظام العام للمجتمع البشري.

ثامنا: مراعاة الشورى والحرية: الحرية من أهم خصائص الإنسان،ولذلك حرَّم الإسلام الإكراه في الدين،والحرية شرط لممارسة الشورى التي تضبط النظام الإجتماعي ؛ وعليه فإن الوسطية تُولي اهتماما كبيرا لصيانة الحرية تحقيقا لكرامة الإنسان وتمكينا له من ممارسة الشورى .

 

تاسعا: انصاف المرأة وإشراكها في كل الأعمال التي تلائم طبيعتها فهي تمثل الشِّق الآخر للإنسان، وهي مخاطبة كالرجل لتحقيق وظيفة الاستخلاف بكل تجلياتها؛ تقسيما للأدوار وإقامة لرسالة الإنسان في الكون.

عاشرا: التَّسامح مع الآخرالملى وصيانة العيش المشترك بين مكونات المجتمع المتنوعة؛ دينيا وثقافيا، فالتعدد إرادة إلهية، وضرورة اجتماعية، وواقع كوني مُعاش. 

المحور الثاني: المرجعية التأصيلية في فكر الإمام الصادق الوسطي:

نشرالإمام الصادق المهدي أفكاره التجديدية في كثير من المؤلفات وخلاصتها: "أن التكاليف الإسلامية قسمان: قسم يتصل بالعبادات، وهو تنظيم العلاقة بين الإنسان وربه، والأصل في هذا القسم التعبد، والأحكام فيه غير معلّلة في جملتها، وعلى وجه التحقيق؛ لايلتفت الشخص في العبادات إلى البواعث والغايات التي من أجلها كانت وتبنى عليها اشباهها. فلا يفرض المكلف على نفسه عبادة لم يفرضها الشارع، بحجة اتحادها مع ما نص عليه في الباعث الملتمس أو الحكمة المناسبة. ومع ذلك المنع فإنه من الواجب على المسلمين الإيمان بأن هذه التكاليف في مصلحة الإنسان وإن كان ليس له أن يشرع بالحكمة أو المصلحة أو البواعث مثلها. بل عليه أن يقف فيها عند النصوص وما تشير إليه وما يحمل عليها من غير تزيد.

والقسم الثاني من التكاليف ما يتصل بمعاملة بنى الإنسان بعضهم مع بعض، وهو ما يسمى في اصطلاح الفقهاء بالعادات. فإن الأصل في ذلك القسم هو الالتفات إلى المعاني والبواعث التي شرعت من أجلها الأحكام، وذلك باتفاق الفقهاء. فإن التكاليف في هذه الأمور إنما كانت لتكوين مدنية إسلامية فاضلة أساسها العدل والمساواة والفضيلة".

لقد تكررت إشارات علماء الإسلام لهذا التمييز بين ما من شأنه الثبات وما من شأنه الحركة؛ فقد أشار إليه أبو جعفر النقيب في وصفه لنهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويذكر تفسير المنار الجزء العاشر تعليقا لنجم الدين الطوفي "الحنبلي" على الحديث: لا ضرر ولا ضرار أنه قال: هذا الحديث أصل في الشريعة ومعناه أن كل منفعة ضرورة وهي أولى بالاتباع. وقال: لا يدفع هذا أن يقال: إن النصوص المنقولة تقرر المنفعة؛ لأننا أُمرنا أن نستفتي أنفسنا. هذا فيما يتعلق بالمصالح العامة لا العبادات؛ لأن العبادات توقيفية ولا يجوز في معرفتها إلا صحيح المنقول.

والحقائق الآتية تؤكد أن أسلافنا التزموا هذا النهج: فبعض خطوات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كانت اجتهادا مجردا: لقد أنشأ الديوان؛ وهو مؤسسة فارسية ورومية لتنظيم مالية الدولة. وأعفى السارق من قطع اليد عام المجاعة. وأوقع القصاص على من قتلوا واحدا ولو كثر عددهم. ومنع المؤلفة قلوبهم من نصيبهم في الزكاة؛ لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم. وقرر أن تبقى الأراضي المفتوحة عنوة بأيدي أهلها مع ضرب الخراج عليهم؛ دون أن تقسم الأراضي على المجاهدين كما هو شأن الغنائم. ومنع القطع في غلمان حاطب الذين سرقوا ناقة رجل من مزينة وأقروا بالسرقة؛ وقال لسيد الغلمان: لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم، حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له؛ لقطعت أيديهم. وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك". ورفع أمير المؤمنين الجزية عن نصارى تغلب ونجران كسبا لولائهم للدولة الإسلامية. لقد انبرت المذاهب الإسلامية للنصوص التشريعية الواردة في الكتاب والسنة والإجماع؛ واشتقت أحكاما جديدة عن طريق الاستحسان "برع فيه الحنفية" وعن طريق الاستصلاح "أكثر منه المالكية" وضمت عن طريق الاستصحاب عادات وتقاليد غير منافية للنصوص الإسلامية "اشتهر هذا عن الشافعية".

لقد تفاوتت درجات استناد أئمة المذاهب وأنصارهم على هذه الوسائل واختلفت تفسيراتهم لبعض النصوص القرآنية ولبعض الأحاديث النبوية ، واختلفوا كذلك حول صحة أسانيد الأحاديث، وحول الناسخ والمنسوخ، واختلفوا حول الأخذ بالرأي غير المستند إلى نص؛ هذا كله معناه  أن مناهجهم اختلفت. كذلك ظهرت في أحكامهم مؤثرات البيئة الاجتماعية التي عاشوا فيها؛ مثلا:- كان طابع الوصاية غالبا على بيئة المدينة المنورة،وكان مجتمعها أكثر ركونا للقيم الخلقية وأقل اهتماما بالمميزات الطبقية، فانعكست هذه المعالم على بعض أحكام المذهب المالكي المدني النشأة مثلا: لا نكاح بغير ولي، إن نكاح المحلل المتعمد باطل. وأن طلاق المكره باطل، وأن الكفاءة لا تشترط في الزواج؛ فلا كفاءة إلا في التدين والتقوى وما سوى ذلك هدر.

لقد كانت البيئة الاجتماعية في الكوفة متنوعة متلاقحة الحضارات وأجدر أن تعترف بالحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة. وكانت بيئة الكوفة أيضا أكثر اعترافا بالمميزات الطبقية وأقل ركونا للقيم الخلقية وذات نظرة أكثر شكلية للأمور القانونية. هذه  المعالم ظهرت آثارها في بعض اجتهادات المذهب الحنفي- مثلا:- قالوا إن المرأة أعطيت التصرف في مالها باتفاق؛ فأولى أن تتصرف في نفسها. ومما يؤيد ذلك أن القرآن اسند النكاح للمرأة قال تعالى: " فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ... " [البقرة :230] وقال: " فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ ..." [البقرة:232] فأمر المرأة بيدها بل ويجوز لها أن تعقد لغيرها واستدلوا على هذا بما ثبت من أن عائشة زوّجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وهو غائب؛ فلما حضر أمضى الزواج.

أما الاهتمام بالمميزات الطبقية فيدل عليه قولهم "قول أبو يوسف ومحمد" إن العقد لا يكون لازما إن كان الزوج غير كفء".

أما الميل إلى الشكلية في النواحي القانونية؛ فدليله أن الزوج المحلل عندهم؛ يصح أن يكون مراهقا قريبا من البلوغ؛ فدخوله بالزوجة يحلها لزوجها الأول. بل إن الزوج لو نوى في نفسه تحليل الزوجة لزوجها الأول بزواجه منها دون تصريح بذلك عند العقد، فإن الزوجة تحل به. ودليل آخر على الشكلية عندهم أن طلاق المكره ليس باطلا.

والمذهب الجعفري الذي تجمعه بالحنفي نشأة في بيئة اجتماعية متشابهة يطابق اجتهاد المذهب الحنفي في جميع هذه المسائل المذكورة هنا.

وبعد نشأة مذهبي الإمام أبي حنيفة والإمام مالك ؛ برزت الحاجة لتحديد المقاييس وتطوير المناهج لاستنباط الأحكام بموجبها. هذه الحاجة لبّاها الإمام الشافعي؛ الذي رتب أصول الفقه ووضع قانونا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب الأدلة الشرعية ، وللإمام الشافعي مذهب قديم قريب من المذهب المالكي، ومذهب جديد أكثر التزاما بالمنهجية التي استنبطها وأكثر تأثرا بالبيئة المصرية الجديدة التي استقر فيها.

وفي القرن الثالث الهجري تزايدت مخاوف المسلمين على الأمة من اختلافات التأويل والاستنباط ومن أصداء الفكر الوافد. المذهب الحنبلي هو آخر المذاهب الأربعة وقد نشأ مستجيبا للرغبة في التشدد والمحافظة ، وصارت الحنبلية رمزا على التشدد في استنباط الأحكام. كان هذا في بداية نشأة المذهب والقرون التي تلتها، ولكن عندما تصدّى بعض فقهاء الحنابلة للإصلاح الديني في القرن الثاني الهجري وهمّوا أن ينفخوا الروح في مجتمع إسلامي آسن، تأجّجت آراؤهم بالإصلاح الجذري والانتفاض بهذه الروح، كتب ابن قيم الجوزية كتابه عن الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. "توفي ابن القيم 752ه" وهذه الروح هي التي أملت قاعدة ابن حزم المعروفة: المفسدة المفضية إلى تحريم؛ إذا عارضتها مصلحة وحاجة راجحة أبيح المحرم.

هكذا كانت المذاهب الإسلامية استجابة صادقة لاستنباط أحكام الشريعة في بيئات فكرية واجتماعية متنوعة.

هكذا نجد أن تاريخنا حافل باستجابات متنوعة لقضايا التجديد والتحول الاجتماعي؛ استجابات بعضها إصلاحي، وبعضها ثوري، وبعضها إلهامي، وكلها لعبت دورا في تكوين التاريخ الإسلامي ثم اختفت رويدا رويدا ليحل محلها التقليد والجمود.

هذا الجمود كرسته أربعة عوامل هي:

الأول: الجمود الفكري؛ الذي حجر الاجتهاد على أئمة المذاهب الأربعة وصنف الفقهاء على سبع طبقات تبدأ بالأئمة المجتهدين وتنزل درجة درجة حتى تنتهي إلى طبقة المفكرين وهي الطبقة السائدة منذ القرن الخامس الهجري.

الثاني: انحسار الشورى من نظام الحكم في العالم الإسلامي، ووقوع الأمة في قبضة الاستبداد السياسي.

الثالث: زوال العدالة الاجتماعية من الممارسات الاقتصادية، والفصل بين العمل والملكية مما جعل الحياة الاقتصادية تقوم على الاستغلال أو الأنانية.

الرابع: انطواء الحياة الاجتماعية في سلبية الطرق الصوفية؛ التي منحت الناس بعض الترويح الروحي وصرفتهم عن إيجابية التصدي للإصلاح السياسي والاجتماعي.

هذه العوامل عززت بعضها بعضا وأكسبت المجتمع الإسلامي صفات الترهُّل والاتكال التي نسبها ماكس ويبر خطأ للإسلام نفسه. يقول: " إن واقعنا السياسي يعاني من تراث الاستبداد القديم الذي عبّر عنه كثير من الفقهاء على حد مقولة ابن حجر العسقلاني : " وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب والجهاد معه" هذا التراث القديم خلّف ذهنية قابلة للاستبداد" ويقول:" الثقافة الغالبة على مجتمعاتنا الإسلامية هي التي جعلت الاستبداد ممكنا بل مروعا. إنها ثقافة طردت الحرية وغيبت العقل البرهاني وجعلت الاجتهاد في الدين مستحيلا. ثقافتنا السائدة جعلت اجتهادات السابقين وهي اجتهادات إنسانية، مقدسة بقدسية نصوص الوحي. هذا معناه أننا جعلنا الحاضر والمستقبل حبيسا الماضي، فإن أبقينا على هذا الواقع الثقافي لايرجى أن نحقق إصلاحا سياسيا أو إقتصاديا أو اجتماعيا؛ لأن كافة هذه الاصلاحات سوف تصطدم بالحائط الثقافي"

ويرى أن فكرة تقديس اجتهادات الأقدمين انطلقت من نصوص الوحي وبموجب المنطق الصوري المعتمد على الاجماع والقياس، فصلت ثوبا عريضا صالحا لكل زمان ومكان ؛ باعتباره يمثل إرادة الله لخلقه. مع أن الأئمة المتبوعين أنفسهم نفوا أي تقديس لاجتهاداتهم؛ فأبوحنيفة عندما أفتى قال له أحد الحاضرين: " أهذا هو الحق الذي لاشك فيه"؟ قال له الإمام: " وقد يكون الباطل الذي لاشك فيه" ورفض الإمام مالك الزام المسلمين بالموطأ عندما طلب منه الخليفة ذلك، وقال الإمام أحمد بن حنبل : " من قلة فقه الرجل أن يقلد الرجال في دينه"

يرى أن الحاجة لاجتهاد جديد توجبه القضايا المعاصرة التي شكلت تحديا كبيرا يواجه المسلمين، فضلا عن المعارف الجديدة التي توجب قراءة جديدة للقرآن الكريم والسنة الشريفة ويقترح آليات جديدة للاجتهاد هي:

المقاصد : فلدى التعارض بين نصوص الجبر والاختيار فإن مقاصد الشريعة ترجح أن تكون آيات الاختيار هي المحكمة ؛ لأن إنكار الاختيار يهدم مسؤولية الإنسان عن أعماله ، وهذا يهدم الأخلاق.

الحكمة : في كثير من النصوص يذكر الكتاب والحكمة ، وهي ملكة متاحة للرسل ولغيرهم من البشر. قال تعالى : " يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ..." [البقرة: 269]

المصلحة : يقول نجم الدين الطوفي أن المصلحة مرجعية راجحة في الشريعة ؛ لأنها تنشد: لاضرر ولاضرار.

العقل: على حد تعبير الإمام الشاطبي : قإن مطالب الشريعة لاتناقض مدركات العقول.

العدل : قال الإمام ابن القيم : كلما تحقق به العدل هو من الشرع وإن لم يرد به نص.

السياسة الشرعية : وهذه تمكن قيادة المجتمع الشرعية أن تتخذ سياسات لم يرد بها نص ولاقياس ولا إجماع مثل فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه من توحيد نص المصحف، وإحراق النصوص الأخرى . ومافعله عمر رضي الله عنه من عدم توزيع أرض السواد غنيمة للمجاهدين وهلم جرا.

المعرفة : الاعتراف بالمعرفة التي يدركها الإنسان عن طريق العقل ، والتجربة ، والحواس ، في أمر الكتاب المشاهد ، أي الطبيعة التي فطرها الله على سنن وقال: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" [طه:50] وقال : ") وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " [الذاريات: 20-21]

ويخلص إلى القول: "استخدمت هذه الوسائل في اجتهاداتي وكانت النتيجة طائفة من المؤلفات أذكر منها: العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي – جدلية الأصل والعصر- الدولة في الإسلام المرأة وحقوقها في الإسلام إلى آخر القائمة التي عبر كتب ورسائل ومحاضرات زادت عن مائة مداخلة في كافة قضايا الفكر في الساحة ..التي نحتاج فيها لمراجعات مفهومية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ودعوية، وخارجية ( أي ضبط علاقتنا بالخارج) وأؤكد أن عافية حاضرنا ومستقبلنا رهين بتلك المراجعات التي تؤدي للصحوة الثقافية".

هذا المنهج التجديدي الذي سلكه الإمام الصادق المهدي اعتمد على آليات اتفق فيها مع  علماء سابقين؛ مثل المقاصد، والمصلحة، والسياسة الشرعية، وكذلك العقل عند المعتزلة ونوعا ما عند الغزالي، وإن كان طرحُ الإمام الصادق لها يأتي في نطاق أوسع يشمل كافة جوانب المعاملات. وأما الآليات الجديدة المتمثلة في الحكمة والعدل والمعرفة فتحتاج إلى تحرير معانيها، وضبط مفهومها، وبلورة مضامينها، ونطاق تطبيقها؛ حتى تصبح آليات محكمة تصلح للتطبيق المعرفِي في المجالات المذكورة

المحورالثالث: أثر الوسطية على الواقع فكرا وثقافة:

حياة الإنسان تفتقر لإشباع موزون لعشرة جوانب هي :

الجانب الروحي : - وهو يعني أن نفس الإنسان مجبولة على الاعتقاد أن لكل الموجودات كمالا، وأن لكل وجود بداية ونهاية، وأن للإنسان في هذا الكون مكانا، وأن وراء الحس مدركات تدرك بوسائل غير حسية ، وأن وراء هذا العالم المشاهد الناقص عالما عادلا، وأن الاتصال بعالم ما وراء الحس، والتطلع للكمال، يزيدان عطاء الإنسان كما وكيفا، وأن هذه العوامل الروحية في حياة الإنسان لها وظيفة.

أولا: إنها عن طريق الإيمان تمنح النفس الإنسانية عصاما.

ثانيا: إنها عن طريق دعمها للأخلاق تمنح العلاقات الإنسانية شرعية.

ثالثا: إنها عن طريق مكانة الإنسان في الكون تعطى حياته معنى.

الجانب العاطفي : - الإنسان يولد من شخص هي أمه، وبين شخصين هما أمه وأبوه، ويقترن بشخص هي زوجته، ويعايش أشخاصا هم اخوته، ويلد ويصادق، هذه العلاقات إذا تركت في أطرها البيولوجية الخالصة كما في الحيوان؛ تضطرب، لأن الإنسان بموجب العقل والحرية مختار وقادر على تجاوز حكومة الغرائز التي تحكم الحيوان تماما. لذلك فالإنسان محتاج للحب والحنان لترشيد علاقته بالأقربين إليه رحما وتعاملا، و لإعطاء هذه العلاقات معنى يزيد على معناها البيولوجي. إن الحب والحنان إشباع لجوع الإنسان العاطفي على الصعيد الفردي والانتماء الوطني والقومي وأمثالهما . إشباع لجوعه العاطفي على الصعيد الجماعي.

الجانب المادي : - الإنسان محتاج لمقياس مقتنع لتصرفاته ولتصرفات الآخرين نحوه.

الجانب العقلي: - الإنسان يستقرئ من مشاهداته بقوة عقله، ويستخدم عقله في الاستنتاج من المقدمات التي يطلع عليها ، ويحلل بعقله، فالنشاط العقلي لا يقف ما دام الإنسان واعيا.

الجانب المعرفي : - الإنسان بطبعه وبتجاربه الحضارية متطلع للمعرفة العقلية، والنقلية والالهامية والاستقرائية النظرية والعملية، لذلك كان وما زال يفسر العالم بنظرياته، ويستغل موجوداته بقدراته التكنولوجية.

الجانب الفني: - كما أن التطلع لقمة في المسائل المعنوية يقود للإيمان، فإن التطلع لقمة جمالية يقود الإنسان للإبداع الفني، في الموسيقى، والغناء، والرسم، والنحت، والأدب، يلاحق الإنسان قيما جمالية يسوقه إليها طبعه الفني.

الجانب الرياضي: - إن بدن الإنسان كآلة تتحكم العضلات في حركتها وسكونها، تمرين هذه العضلات ضرورة حسية ولكونه نشاط يقوم به الإنسان يدخل في هذا التمرين عوامل الترويح والتنافس. الجانب الرياضي له دور هام في حياة الإنسان.

الجانب الاجتماعي: - مثلما أن الأفراد محتاجون لأسس تتكون بموجبها المجتمعات، فإن المجتمعات محتاجة لأسس تتعامل معها في عالم الجمادات، والنباتات والحيوانات.

الجانب الأيكولوجي: - الإنسان الفرد، والمجتمعات الإنسانية، محتاجة لمقاييس تتعامل بموجبها مع الموجودات الأخرى في عالم الجمادات، والنباتات والحيوانات.

لقد تجنى الفكر الديني القديم لا سيما في أوروبا والقرون الوسطى على كثير من هذه الجوانب فأنكر وجودها أو قلل من شأنها فأدى ذلك إلى الاحتجاج على تقصير الفكر الديني القديم ، إنها هي الأخرى تجنت على جوانب هامة في حياة الإنسان بإسقاطها لكل شئ لا تدركه الحواس. وأما منهج الوسطية الإسلامي فإنه يراعي كل المجالات المذكورة ويعمل على إشباعها بصورة متوازنة تحقق كرامة الإنسان وتصون إنسانيته.

إن تمهيد الدعوة المهدية لنهج الوسطية كبير؛ فالمهدية كشفت بصورة واضحة عن حجم التعقيدات التي يثيرها اختلاف المسلمين، وعن الحدود التي تستطيع أن تضعها القوى الدولية. والدعوة المهدية وضعت أساسا قويا للتمييز بين ما هو من الوحي وملزم وما عداه من استنباطات واجتهادات بشرية وضعية لا تلزم أحدا. والدعوة المهدية فتحت باب التحرر من قيود الماضي وتطوير أحكام الفقه بمقولة كانت ولا زالت وستظل أقوى تأكيد لمشروعية التجديد: " لا تعرضوا لي بنصوصكم وعلومكم على المتقدمين، فكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال".

يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا:

أولا: إن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص، ورسولنا واحد معلوم السيرة والهوية. هذه من نعم الله علينا. كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا. علينا أن نؤمن تماما بأن ما نلتزم به هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة. أما الظني ورودا والظني دلالة وما ليس فيه نص أصلا فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا.

ثانيا: التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات على أساس أن التقليد في الاجتهادات غير ملزم وأن القاعدة السنية من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد.

ثالثا: هنالك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها:

أهل السنة قالوا بالتعامل مع المستجدات على أساس القياس والإجماع.

الشيعة قالوا بمعرفة خاصة للأئمة ولمراجع التقليد في غيابهم. هؤلاء يفتون في أمر المستجدات.

الصوفية قالوا بأن الصالحين ملهمون مكشوف لهم الحجاب مما يتيح لهم معرفة خاصة للتعامل مع كل الأمور وعلى الآخرين اتباعهم.

لقد جادل المسلمون كثيرا حول تلك الأساليب، فمن قائل أن القياس غير صحيح، لأنه لا تكون حالة مثل حالة أبدا، وقائل أن الإجماع في أمر من الأمور غير القطعية لم يقع أبدا، وقائل أن الأئمة المعنيين لم يوجدوا أصلا، وأن القول بالكشف مختلف عليه، وغيرها من مقالات الإسلاميين. إن عصرنا الحالي يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات، وإلغاء الزمان عن طرق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل افضل في التعامل مع هذه القضايا. الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات فنية ذات معرفة وتخصص في كل المجالات ذات دور استشاري. واتخاذ هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات واتخاذ قرار بشأنها.

رابعا: ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. إنهم وجدوا معنا في هذه الأوطان واستمروا فيها باختيارهم، وإن هذا الموقف أكسبهم موقف أهل العهد –عهد المواطنة- وإن نحن سحبنا منهم هذا الحق فإنهم في نطاق القانون الدولي المعاصر سوف يسعون إلى حق تقرير المصير. إن عهد المواطنة يقتضي الاتفاق على حد أدنى من الحقوق لكل المجموعات الوطنية، وإلا دفعناهم دفعا نحو العمل لتقرير المصير ومن ثم التمزق الحتمي. علينا إذن أن نقر عهد المواطنة وحق المواطنة كأساس للكيان الوطني، فالوطن لكل سكانه بموجب عهد المواطنة، ولكن هذا لا يتعارض مع الحقوق الدينية والثقافية للمجموعات الوطنية المختلفة ما دامت لا تطالب بوضع ينتقص من حقوق المجموعات الأخرى.

إن الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق للمسلم، وعلينا أن نضع ميثاقا واضحا يوفق بين حق المسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، وحقوق المواطنة للآخرين. وعلينا أن نعلن بوضوح التزامنا الأساسي بأن التعامل بيننا وبين أهل الملل الأخرى يقوم على مبدأين أساسيين هما: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..الآية)- و(ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..الآية).

خامسا: النظام الدولي الحالي يقوم على أساس العهد الذي يقوم عليه نظام الأمم المتحدة. إنه نظام بالنسبة للمسلمين يعتمد على مرجعية إسلامية أساسية هي: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34).و ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ.. الآية).

إن النظام الدولي المعاصر لم ينشأ من فراغ. لقد كانت بداياته مستمدة من مفاهيم المعاهدة والائتمان، ومعاملة الأسرى، والعلاقات بين الكيانات السياسية الدولية التي خطها المسلمون استنباطا من مبادئ وأحكام الإسلام، وتسربت إلى أوربا عبر الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا. وقديما قال بلاسكو ايباريز في كتابه "تحت ظلال الكاتدرائية": "إن إحياء أسبانيا لم يأت من الشمال بل من الوسط مع العرب الفاتحين".

نعم ..إن النظام الدولي الحالي أقيم في غياب كثير من البلدان الإسلامية.

نعم.. إن فيه نقصا يفتقر إلى تصحيح وتصويب لتكتمل عدالته. وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه ونحققه.

سادسا: هنالك منجزات حققها الغرب لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية، ولكن الفضل في تحقيقها وتكوين مؤسسات لاستدامتها يرجع للحضارة الغربية في المقام الأول. تلك المنجزات ينبغي أن نستصحبها دون أدنى حرج، وأن نحدد مرابطها في مقاصد الشريعة الإسلامية:

الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتكنولوجي.

النظام السياسي الذي يقوم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام ويحقق التداول السلمي للسلطة والخضوع العسكري للشرعية الدستورية.

النظام الاقتصادي الذي يقوم على آلية السوق الحر لا سيما في مجال الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري.

الالتزام بحقوق الإنسان على أساس أن الله كرمه وأوجب له حقوقا مقدسة. إن حقوق الإنسان التي جاء بها الإسلام تتكامل ولا تتناقض مع حقوق الإنسان العالمية على نحو ما أوضحنا بالتفصيل سابقا. وحقوق الإنسان في الإسلام تمتاز على غيرها لأنها تستمد من جذور روحية وخلقية وتستوجب جزاءا أخرويا.

لقد دار في مسألة المرأة جدل كبير. المرأة هي الوالدة والزوجة والأخت والبنت للرجل، والنساء في مفهوم الإسلام شقائق الرجال. والنصوص الإسلامية واضحة في مساواتها إنسانيا وإيمانيا:

يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.. الآية.

أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.. الآية.

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ.. الآية.

هذه المساواة بين الرجل والمرأة حددها أمران: الأول: فطري وهو أن للرجل والمرأة في أمر التوالد والأسرة وظيفتين مختلفتين متكاملتين. هنالك أحكام تتعلق بهذا الاختلاف لا مفر منها بل هي واجب تقتضيه الفطرة. المهم ألا يكون هذا مدخلا للتفاضل بل للتكامل. الأمر الثاني: أحكام واستنباطات لحقت بالمرأة بسبب ظروف فكرية وثقافية واجتماعية مقدرة في زمانها ولكنها الآن تجاوزتها الظروف.

إن حقوق المرأة في الإسلام كانت طفرة تحريرية في ظروفها. أما الآن فإن حقوق المرأة العالمية قد بلغت مرحلة متطورة. التحدي الذي يواجهنا هو هل تستطيع المرأة أن تكون مسلمة وحديثة في آن؟ الجواب: نعم.

سابعا: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام. والجهاد هو رهبانية أمة محمد (ص). والجهاد ماض إلى قيام الساعة. إن مادة جهد هي أساس الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة. ولا يفلح الإنسان في أية حالة إذا لم يبذل الجهد: لا بد لنيل الشهد من إبر النحل. الجهاد في هداية الإسلام هو بذل الجهد كله للالتزام بأمر الله. إنه يبدأ دائما بإلزام النفس على الفضيلة, وهذا هو الجهاد الأكبر لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ثم يتجاوز الإنسان نفسه إلى أسرته وإلى مجتمعه وعليه بذل الجهد كله وبكل الوسائل للالتزام بهدى الله. هذا الالتزام يصير التزاما قتاليا في حالة فتنة الناس عن دينهم أي إكراههم على الخروج من دينهم. وفي حالة الدفاع عن النفس. أي دفاعا عن العقيدة ودفاعا عن الحياة: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)

إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.

الحقائق الجديدة:

هنالك سبع حقائق جديدة في عالم اليوم لم يسبق للفكر الإسلامي أن حدد موقفا بشأنها. إنها حقائق ينبغي أن نحدد نحوها مواقف واضحة هي:

أولا: الوطنية:

الوطنية والدولة القومية المترتبة عليها شكل سياسي جديد اتخذته الكيانات الأوربية منذ صلح وستيفاليا في 1648م وصار الوحدة المعتمدة في العلاقات الدولية.

لقد عرف الإسلام رابطة الأسرة. ورابطة القبيلة. ورابطة الإقليم أو الجهة.. لكن الوطنية تقوم على أساس ثقافة معينة، وتاريخ، وتجارب تكون شعبا مرتبطا بأرض معينة. المواطنة هي الرابطة التي تجمع بين شرائح هذا الوطن. إنه تطوير لرابطة الأسرة والعشيرة، يربط بين المجموعات الوطنية والدولة، وله فاعلية في تنظيم مصالح المواطنين من حيث توافر أسباب المعيشة والأمن.

إن الرابطة الوطنية يمكن أن تكون مفيدة في سبيل تحقيق التنمية وكفالة سبل المعيشة والأمن، ومع أنها تقوم على مفهوم متشدد على السيادة الوطنية، فإن التعامل مع السيادة بصورة مرنة لتقبل الانتماء إلى كيانات أوسع ممكن ما دام ذلك يتم برضا المواطنين. لذلك يجب ألا ننظر إلى الانتماء الوطني بريبة وألا نضعه في مقابل الولاء للأمة الأكبر، بل نعتبر الانتماء الوطني صالحا في حدوده المختارة قابلا للتوسع الاختياري.

 

ثانيا: القومية:

إن في الأمة الإسلامية عدة قوميات. والإسلام لم ينف الانتماء القومي بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية، والفارسية، والهندية بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها.

إن علينا أن نعترف بالانتماء القومي لا سيما على أساس ثقافي ولغوي وسلالي لا يتعارض مع الانتماء الأوسع للأمة إلا إذا كانت فيه عصبية. العصبية هي الشعور الذي يمقته الإسلام لا القومية.

ثالثا: العولمة:

هنالك عوامل جديدة في عالم اليوم هي:

تكنولوجيا المواصلات نسفت المسافات. وتكنولوجيا الاتصالات كمشت الزمان فصارت أطراف العالم متداخلة وصار كوكب الأرض أقرب إلى حاضرة واحدة.

المصلحة البيئوية (الأيكولوجية) لكوكب الأرض واحدة مما يوجب التعامل معها كوحدة طبيعية واحدة.

هنالك فضاءات تملكها الإنسانية ملكا مشتركا:. الفضاء والبحار والمحيطات والأجزاء غير المأهولة من الكوكب.

أثناء التسعينيات انعقدت مؤتمرات قمة قاربت بين وجهات النظر حول كثير من القضايا الهامة: السكان- المرأة- النواحي الاجتماعية.. وهلم جرا.

هنالك عدد من الأديان العالمية كالمسيحية والإسلام والبوذية والأديان التي كونت حضارات كالمسيحية والإسلام والهندوسية، والحضارات المتعددة الأديان كالصينية واليابانية والثقافات الإنسانية الكثيرة.لقد انطلقت حوارات جادة بين أطراف هذه الانتماءات وهي حوارات تصب في خانة تبين القيم المشتركة بينها والتنوع والتعدد فيها. إن هذه الحوارات تتجه لتكوين تصور موحد للتعايش والتسامح الديني والحوار بين الحضارات تجنبا للصدام والخصام.

التطور الاقتصادي والتجاري وحركة انتقال الأيدي العاملة والاستثمارات والحركة المالية العالمية تتجه لخلق سوق عالمي واحد.

هذه العوامل الستة هي التي تقف وراء العولمة كظاهرة مرتبطة بتطور الوعي الإنساني والتاريخ الإنساني. لكن العولمة تتم في عالم فيه توزيع غير عادل للسلطة والثروة والقوة العسكرية. لذلك فإن القوى المهيمنة عالميا إنما تلون العولمة بلونها وتحاول إخضاعها لمصالحها الذاتية.

إن علينا أن نقبل العولمة كتطور حتمي لتاريخ الإنسان، وأن نتخذ ما نستطيع من إجراءات على كافة الأصعدة لكيلا تتحول العولمة إلى امتثال للهيمنة الدولية. هذه معادلة صعبة ولكن الانكفاء دون العولمة تخلف والامتثال للهيمنة تبعية، وعلينا أن نحقق الانفتاح نحو العولمة ونتجنب التبعية.

رابعا: الوحدة الإسلامية:

التطورات العالمية نحو العولمة تزيد من الوعي بالذات الحضاري وبالمصالح الوطنية الإقليمية لذلك نشطت مع العولمة تيارات التكوينات القومية والإقليمية لتحقيق أقصى درجات الانتفاع بالواقع العالمي الجديد وحماية المصالح الخاصة والحماية من الهيمنة.

ماذا عن الوحدة الإسلامية؟.

الوحدة المتجسدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ. إن مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحا للخليفة لم يعد واردا لأن ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصا بالسلطة التنفيذية، ضمن إطار يحدد مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى والمشاركة على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطور الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية. حتى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسسة قيادة شاملة مطلقة إلا في الدولة الاستبدادية.

إن وجود دول مختلفة محكومة بنظم دستورية لا يمنع التعامل مع مفهوم السيادة الوطنية بمرونة وتحقيق وحدة في مجالات عديدة:

في المجال الروحي والعبادي إذ يمكن للمسلمين الاتفاق على ما يجمع بينهم والتعايش فيما يفرق بينهم على أن يقيموا تنظيما موحدا يقرر بشأن المسائل العقدية والعبادية ويتخذ تكوينا جماعيا شوريا.

تكوين محكمة استئناف عليا ذات صلاحيات متفق عليها للحكم في قضايا معينة.

برنامج موحد للتعليم الديني وتعاون في كافة المجالات التعليمية. برنامج يحقق التعاون في مجالات معينة ويفسح مجال التنوع.

تعاون ثقافي وإعلامي.

تنسيق تنموي وتجاري في المجال الاقتصادي والتجاري.

تحديد آليات للحوار الداخلي بين المسلمين وأخرى للحوار مع غيرهم.

إن الإبقاء على تعدد الدول لا يتنافى مع تحقيق درجة عالية من التنسيق والتوحد في المجالات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والحضارية لبلوغ درجة من الوحدة الإسلامية وترك المجال مفتوحا للتطوير المستقبلي.

خامسا:التعددية الاجتهادية

هنالك نظرة سلبية جدا لدينا نحو التعددية في المسائل الاجتهادية. ينبغي أن تكون نظرتنا لكل أنواع التعددية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية لأنها إحدى نتائج الحرية اللازمة. على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما:

الأول: التسليم بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الإسلام.

الثاني: تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص.والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب. هذه النظرية المرنة للتعامل المذهبي مع التراث المنقول ومع العطاء الإنساني ومع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانكفاء ومن التعصب الذميم.

التعددية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون، وينبغي التخلص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية فمن كفر مسلما فقد باء بالكفر أحدهما، ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه.

إن الإنسان هو محور رسالة الإسلام لإسعاده في الدنيا والآخرة. وكل هداية للإنسان ينبغي أن تراعي عوامل الزمان والمكان. الشريعة الإسلامية تفوقت على الملل والنحل الأخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان وتكريمها للإنسان كإنسان، ومراعاتها لظروف المكان والزمان.. إن إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة. وللإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن هي: المطالب الروحية- الخلقية- العاطفية- المعرفية- المادية- الاجتماعية- البيئية- الجمالية- الرياضية- والترفيهية.

إن الإسلام دين الفطرة.. فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..الآية. مستبين لتلك المطالب ولضرورة إشباعها إشباعا موزونا ينبغي على المسلمين السعي لتحقيقه اجتهاديا في ظروف الزمان والمكان المختلفة.

سادسا: الحركة في الشريعة

الإسلام عقيدة وشريعة. الشريعة الإسلامية فيها عبادات ثابتة ومفصلة ومعاملات مرنة. منذ عهد الخوارج هنالك من جعل أمر السلطة السياسية –الإمرة- كالعبادات، وهذا عين الخطأ الذي وقع فيه الخوارج ومن خلفهم بعد ذلك. علينا أن ندرك بوضوح:

أن العبادات مفصلة وثابتة لكن المعاملات معممة ومتحركة.

الثابت من أحكام الشريعة لا تؤثر فيه عوامل الزمان والمكان. أما المعاملات –أي المتحرك من مقاصد الشريعة فإن الثبات يفسده ويؤدي إلى عكس مقاصده.

الأمة باجتهادها المستمر مكلفة بتطوير فقه المعاملات على أساس مقولة الإمام المهدي الشهيرة: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.

إن منهج الوسطية له رؤية متوازنة في هذه المجالات تنطلق من قطعيات الإسلام ومقاصده؛ تحقيقا لوظيفة الاستخلاف.

الخاتمة:

خلاصة الوسطية في فكر الإمام الادق المهدي تؤدي إلى الآتي:

فكريا: تأصيل بلا انكفاء وتحديث بلا استلاب.

سياسيا : المشاركة في الأمر العام, والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، كفالة الحريات الأساسية.

اقتصاديا: التنمية المحققة للكفاية, والعدل والتوازن مع البيئة.

غائيا: تحقيق وفاء له مستقبل ومستقبل له وفاء.

دوليا: اتفاق على عهد يقوم على السلام العادل والتعاون وتبادل المنافع. ع

البديل: مشروع نهضوي يتجاوز الآفات الثلاث: الواقع الرسمي العاجز, واجندة الغلاة المدمرة،  وأجندة الغزاة المستلبة.

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.