مؤتمر "تمكين الأسرة.." يواصل أعماله لليوم الثاني بثلاث أوراق بحثية في جلسته الأولى
ترأس الجلسة وأدارها الأكاديمي والنائب الأردني السابق الدكتور محمد الحاج.
افتتحت جلسة المؤتمر الأولى في اليوم الثاني (الأحد) بورقة بحثية بعنوان "الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني في تعزيز منهج الوسطية في البناء الأسري والاجتماعي" للدكتور أبو جرة السلطاني، رئيس المنتدى العالمي للوسطية.
استهل السلطاني ورقته بتقديم وصف للواقع الأسري والاجتماعي، لافتا إلى "أننا نعيش في زمن التحديات الكبرى التي تستهدف الأسرة والمجتمع، وعلى كل مؤسسة القيام بالدور الواجب لتعزيز البناء الأسرة، وترسيخ قيم الانتماء المشترك والمواطنة التي تفرض التنسيق والتعاون للمساهمة في الاستقرار والسلم والأمن.
وفي بيان طبيعة علاقة المجتمع المدني بالدولة أوضحت الورقة أن "المجتمع المدني يتكون من جمعيات ومنتديات وناشطين ومؤثرين بالرأي والفكر والتوجيه.. في مختلفة مناشط الحياة، والمجتمع المدني ركيزة من ركائز الدولة الأساسية، ودوره جوهري، وهو الوسيلة المثلى لتمتين النسيج الاجتماعي في أي دولة ضمن الدوائر القانونية التي يسمح بها أي نظام سياسي لممارسة النشاط المكمل لجهود الدولة بصفة طوعية لتنمية الوعي وحماية الهوية الوطنية، ومرافقة الأسرة والمدرسة والبيئة العامة في التنشئة الاجتماعية لمختلف فئات المجتمع".
وأضاف السلطاني "وكلما كانت قوانين الدولة مرنة وتسمح للمجتمع المدني بالتمدد في النسيج الاجتماعي تحت رقابتها كلما كان ذلك ضامنا لتماسك الأسرة والمجتمع وداعما لسياسة الدولة في ضمان وحدتها وأمنها والدفاع عن وجودها وحدودها، والمساهمة في قضايا الأمة المشتركة والقضايا العادلة في العالم".
أما عن منهج الوسطية للبناء الأسري، فأكدّ السلطاني في ورقته أن "الوسطية ليست في العقيدة والشريعة فحسب، وإنما هي أيضا في الأخلاق والعلاقات والمعاملات بين الناس، وخيرية الأمة لا تتحقق في واقعها الاجتماعي إلا إذا تحققت أولا في بنائها الأسري لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
وخلص في ختام ورقته إلى القول "يستطيع هذا المنتدى أن يضع بين أيدي المجتمع المدني الساهر على الأسرة والمجتمع ميثاق شرف يعينه على تخطي إكراهات العولمة، وعلى مواجهة تيارات الغلو والانحلال والمسخ الأخلاقي الذي يستهدف تفكيك الأسرة، ونسف علاقات الأرحام التي جعلها الله تعالى سبيلا للتراحم بين بني آدم".
الورقة الثانية أعدتها النائب في البرلمان الأردني، الدكتورة بيان فخري بعنوان: " الأسرة بين الاتفاقيات الدولية والشريعة الإسلامية".
أوضحت الباحثة في ورقتها البحثية أن "البحث يركز على الأسرة الأردنية كنموذج للأسرة في المجتمعات العربية المسلمة، معتمدا المنهج الوصفي وتحليل البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة والمجلس الوطني لشؤون الأسرة. وتظهر المؤشرات الديموغرافية والاجتماعية لعام 2024 أن الأسرة ما تزال تتحمل عبئا كبيرا في الإعالة..".
وعن التحديات الرئيسة التي تواجهها الأسرة أكدّت الباحثة أن "التحديات الرئيسة أمام الأسرة تتجلى في محورين: الأول: العولمة الثقافية، والثاني: الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل، والتي تستخدم كأداة لإعادة تشكيل طبيعة الأدوار والعلاقات داخل الأسرة.
وتظهر الدراسة أن هذه التحديات ليست مجرد انعكاسات خارجية، بل تمتزج بالواقع المحلي من خلال ارتفاع معدلات البطالة (21.4%)، والفقر (15.7%)، والجريمة (4.2 لكل ألف)، ما يزيد من هشاشة الأسرة ويجعلها أكثر عرضة للثأر، وفي المقابل، فإن ارتفاع نسب استخدام الهواتف الذكية (92.8%) ومواقع التواصل (87.9%) يعكس عمق الانخراط في العولمة الرقمية، حتى لدى الفئات الأقل دخلا".
وخلصت الباحثة في ورقتها إلى التأكيد على أن "المحافظة على النظام الأسري وتمكينه تمثل ضرورة استراتيجية لمواجهة تحديات العولمة الثقافية والاتفاقيات الدولية، ويتطلب تعزيز التنشئة الاجتماعية القائمة على الثوابت الإسلامية، وإعادة الاعتبار لدور الأسرة باعتبارها الضامن الأساس للتكافل الاجتماعي والسلم الأهلي، كما يوصى بضرورة تطوير سياسات وطنية لحماية الأسرة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وتحصينها ثقافيا ومعرفيا لمواجهة الغزو الثقافي الرقمي، بما يحافظ على الهوية ويؤمن استمرارية الأجيال".
وتناولت الورقة البحثية الثالثة والختامية "تمكين الأسرة وأثره في نهضة الأمة وقوة الدولة" للباحث مكي قسوم، رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية".
استهل الباحث ورقته بالتأكيد على أن "الحديث عن النهضة الحضارية، وعن قوة الأمة والدولة لا يمكن أن يكتمل دون التوقف مليا عند المؤسسة الأولى التي ينشأ فيها الإنسان، ويتشكل فيها وعيه وقيّمه، وهي الأسرة، فالأسرة ليست مجرد إطار اجتماعي ضيق، بل هي أساس العمران البشري، وحاضنة القيم، ومدرسة بناء الشخصية، ومفتاح التنمية الشاملة".
وناقش الباحث موضوع الورقة من خلال عدة محاور: أولها مفهوم الأسرة: فالتمكين في جوهره يعني توفير الظروف التي تجعل الأسرة قادرة على أداء وظائفها الحيوية، ويشمل التمكين: التمكين الاقتصادي، والتمكين التربوي والثقافي، والتمكين الاجتماعي، والتمكين القيمي".
وفي محور الأسرة والنهضة الحضارية للأمة لفت الباحث إلى عبرة التاريخ أثبتت كل التجارب أن الحضارات القوية انطلقت من أسرة متماسكة، وأن تمكين الأسرة يعني صناعة جيل: واعٍ بمسؤوليته تجاه دينه ووطنه، وقادر على الإبداع والإنتاج، وحامل لمشروع حضاري يقوم على الوسطية والتوازن، والتربية على القيم الإسلامية الوسطية هي التي تجعل أبناءنا أقدر على مواجهة التحديات والانفتاح على العالم دون ذوبان أو انحراف".
وختمت الورقة بتقديم جملة من التوصيات من أبرزها "وضع سياسات عامة واضحة لحماية الأسرة ودعمها اقتصاديا واجتماعيا، والاستثمار في برامج التوفيق بين العمل والحياة الأسرية، لضمان استقرار البيوت، وإدماج التربية على القيم الوسطية والاعتدال ضمن المناهج التعليمية والأنشطة الشبابية، وتفعيل دور الإعلام في تعزيز صورة إيجابية عن الأسرة، وتحصينها من حملات التشويه".
وخلص في ختام ورقته إلى القول "إن الأمة التي تمكّن أسرتها، هي أمة تمكن مستقبلها، وإن الدولة التي ترعى الأسرة، هي دولة تضع أساس قوتها ومتانة بنيانها، وبتمكين الأسرة نصنع النهضة، وبنهضة الأمة تشتد قوة الدولة".
وفي ختام الجلسة الأولى دار حوار تفاعلي، شارك الحضور في تقديم مداخلات متنوعة، وطرح جملة من الأسئلة التي أثرت الموضوعات والقضايا المثارة في محاور الجلسة، والأوراق البحثية
المقدمة فيها.
ابحث
أضف تعليقاً