wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
الوسطية ضرورة ملحة في عالم مضطرب قيمياً وأخلاقياً       

 

الوسطية ضرورة ملحة في عالم مضطرب قيمياً وأخلاقياً                                      

الدكتور زيد احمد المحيسن                                                                     

في خضم التحديات الكبرى التي يواجهها العالم اليوم، من تصاعد النزاعات وتفشي التطرف، إلى اتساع الفجوات الثقافية والاجتماعية، تبرز الوسطية كضرورة فكرية وأخلاقية لا غنى عنها. إنها نهج متوازن يجمع بين الحكمة والتعقل، ويقوم على أساس من القيم الإنسانية والدينية السمحة، بعيداً عن الغلو والانغلاق. فالوسطية المعاصرة ليست مجرد موقف حيادي بين طرفين، بل رؤية ناضجة للحياة تسعى إلى بناء مجتمعات متماسكة، قوامها التفاهم والتسامح وقبول الآخر.

إنّ ما يميز الفكر الوسطي هو قدرته على المواءمة بين الثوابت والمتغيرات، بين الانتماء للأصالة والانفتاح على المعاصرة. فهو يؤمن بأن الاختلاف سنة كونية، وأن الحوار هو السبيل الأنجع لبناء جسور التواصل بين الشعوب والثقافات. ومن هذا المنطلق، تصبح الوسطية دعوة إلى التوازن بين ما تمليه القيم الدينية من مبادئ وما تتطلبه القيم الإنسانية من احترام وعدل، دون أن يقع الإنسان في فخ التعصب أو الانفلات.

العقلانية تحتل مكانة مركزية في الفكر الوسطي، حيث يُعتمد على التفكير المنطقي في معالجة القضايا، وتُرفض الانفعالات السلبية التي قد تؤدي إلى الانقسام أو التطرّف. كما أن الوسطية تعترف بالتنوع كقيمة مضافة، وليس تهديداً، وتدعو إلى احترام التنوع الديني والثقافي والاجتماعي باعتباره عنصراً يُغني المجتمعات ولا يُفككها.

إنّ أهمية الوسطية تتجلى في قدرتها على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتعزيز السلم الأهلي، من خلال التقريب بين وجهات النظر وتقديم بدائل معتدلة تُغني عن اللجوء إلى العنف أو الإقصاء. كما أنها تُعزز مناخاً أخلاقياً قائماً على العدالة والمساواة والرحمة، مما يخلق بيئة مجتمعية يسودها الانسجام والاحترام المتبادل. وفي عالم يتسم بتعدد الثقافات والتوجهات، تقدم الوسطية فرصة ثمينة لتقليص الهوة بين الحضارات وتعزيز التعاون الدولي على أسس من الاحترام والتفاهم.

ولا تقف الوسطية عند حدود النظرية، بل تُترجم إلى وظائف عملية تسهم في بناء الحاضر وصياغة المستقبل. فهي تعمل على نشر الوعي المجتمعي من خلال التعليم والإعلام، وتشجع على إطلاق منصات للحوار البنّاء، كما تدعم المبادرات التي تهدف إلى تحقيق التعايش السلمي بين مختلف أطياف المجتمع. وهي تتفاعل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بروح إصلاحية، تقدم رؤى عقلانية قادرة على حل المشكلات دون انحياز أو تطرف.

إنّ تبني الفكر الوسطي في عالم تسوده الأزمات والانقسامات لم يعد خياراً، بل بات حاجة مُلحة تفرضها متطلبات العيش المشترك والحفاظ على كرامة الإنسان. فالوسطية، بما تحمله من مضامين عقلانية وإنسانية، تُسهم في بناء عالم أكثر عدلاً وأقرب إلى السلام. وفي ظل هذا الاضطراب القيمي والأخلاقي، تظل الوسطية النبراس الذي ينير الطريق نحو مستقبل أكثر اتزاناً وتسامحاً.

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.