(1)
دون أن أدخل فى تفاصيل القضية المطروحة حاليا فيما تعرف "بخلية الزيتون " ومدى سلامة الاعترافات المنسوبة للمتهمين من عدمه التى تعلقت بفتوى استحلال أموال أبناء الطائفة المسيحية , لكن الموضوع يفتح باب الحوار من جديد حول قضايا شائكة فى فقه بعض فصائل الحركة الاسلامية التى لم يزل يعتنقها البعض رغم سباق المراجعات الفكرية التى حمل لوائها شيوخ الجماعة الاسلامية منذ يوليو97 وسار على هداها بعض القادة الذين يحملون فكر جماعات الجهاد
انتابتنى فى الآونة الأخيرة مشاعر متضاربة كلما تسامعت لخبر عن القبض على مجموعة جديدة من شباب يعتنقون أفكارا سلفية جهادية على نحو ما تردد أجهزة الأمن فى المذكرات التى تقدمها إلى نيابة أمن الدولة العليا , لا شك أن شعورا قويا بالفتور إزاء هذه المذكرات الأمنية هو الذى ساد داخلى انطلاقا من خبرات السنين فضلا عما اعتقدته بمدى أثار المراجعات وصعوبة اعتناق منظومة فقه العنف على النحو الذى كان سائدا لسنوات طويلة خصوصا مع ما أكدته قيود قضايا عديدة لم تسفر عن إحالة صحيحة لمحاكم مختصة فمنذ عام 2002 وعلى كثرة ما أعلنت أجهزة الأمن عن ضبط قضايا مختلفة لمجمواعت شبابية يعتنقون أفكارا جهادية ينسب إليهم تلك الاجهزة مشروعات إجرامية مخالفة للقانون لم تتم إحالة أى من هذه القضايا إلى محاكم الجنايات أو أمن الدولة العليا غير قضية واحدة ارتكب المتهمون فيها جرائم التفجيرات فى طابا وشرم الشيخ عام 2005 !! وأن معظم التحركات الاخرى التى سادت بها المذكرات الامنية اقتصرت على تكرار تردد بعض الشباب على مقاهى الانترنت ودخولهم إلى مواقع "أصولية" تعنى بحركات جهادية دولية أو إقليمية ذات صلة وثيقة بفكر القاعدة على نحو ما رددت أجهزة الأمن نفسها وهو أمر لا يستحق - برأى – أعباء القبض والاعتقال وإدخال تلك المجموعات الشبابية فى دوائر المشتبه فيهم ومن ثم تنمو مشاعرهم السلبية تجاه المجتمع عامة , لكن الموقف يحتاج إزاء تكرار مثل هذه المحاولات وأيضا تلك المعالجات الامنية إلى إعادة طرح لفكرة المراجعات من جديد فى ظروف مختلفة عن تلك التى طرحت فيها مبادرة الجماعة الاسلامية الشهيرة
لم يخف بعض إخواننا انزاعجهم من شعار " مراجعات " وتوجس بعضهم خيفة من دلالات قد تلحق بالمسمى قد تنبئ عن ارتكاس وردّة عن ثوابت عقائدية أو مرتكزات فكرية قامت عليها غالبية فصائل الحركة الإسلامية المعاصرة وتنظيماتها المختلفة أو أن نتبنى أراء مرجوحة في الحياة السياسية أو الحركية للصحوة المعاصرة
هذه المخاوف استوقفتني بعناية وكنت قد حسبت أننا تجاوزنا مرحلة القيد والوصف للظواهر من خلال الشكل دون المضمون والظن دون اليقين .. ولعلى أستطرد شيئا قليلا فأقول إن مما بليت به حركتنا المعاصرة عبر عقدين ماضيين أن يكون اعتناءنا بالقضايا ظاهريا وفقط فأصاب الجمود فكرها كما أصاب الشلل جسدها , وأننا أيضا بشكل أو بأخر اعتمدنا في التقييم على مبدأ أهل الثقة دون أهل الخبرة و الرأي فقربنا دون معايير موضوعية وباعدنا عن الحركة الإسلامية آخرون أصحاب رأى وخبرات لأنهم لم يحققوا شرط الثقة
غير أن الذي نعنى به هنا تأكيدنا على الثوابت التي تتشكل من خلالها البنية الأساسية لمنهج أهل السنة والجماعة , مع قناعتنا بحتمية التطور الفكري من خلال الملاءمة الفقهية فقد ذكر عن الإمام العلامة محمد بن إدريس الشافعي أن له مذهبان في إشارة الى المعنى الذي أردناه سالفا فنثبت حقنا في إحداث مراجعات لبعض ما تبنته الحركة الإسلامية خلال عقد السبعينات وما بعده خصوصا فى عقد التسعينات وفق معايير التقييم التي أشرنا إليها ونثبت أيضا في ذات الوقت رفضنا للتراجع عن شئ مما اصطلحت الأمة عن تلقيه بالقبول والرضى جيلا من بعد جيل فنعم للمراجعات ولا للتراجعات
إننا نريد بإعادة طرح هذه المراجعات فى ظرف تاريخى مختلف عن الذى طرحت فيه أول مرة أن نتحرر من مخاطر العنصرية الحركية بأن نتحرك في رحاب أوسع تحت سقف المرجعية الإسلامية فنحاول الاشتباك فكريا مع كفاءات ونخب فكرية وثقافية مختلفة المشارب والرؤى من الكتاب والمفكرين الإسلاميين سواء المستقلين أو الحركيين وكذلك ضرورة الانفتاح على صفوة من القوميين الذين يرتكزون على ثوابت الأمة وتراثها الديني , ونحن نتواصل مع غيرنا من أجل دعم ظاهرة الإحياء الإسلامي بكل معانيها فكريا وحركيا , نجتهد لكي نقدم مشروعا يؤمن بأن الحضارة الإسلامية حضارة أصيلة ضاربة بجذورها في بنية المجتمع المصري و العربي بمفهومها الوسطى المعتدل وتوجهاتها السمحة ومعاملاتها الأمينة وأحكامها العادلة مع الخصوم والحلفاء , وأن الحضارة الإسلامية هي الحاضر والماضي والمستقبل, ففي دولتها عاش المسلمون والنصارى واليهود أكفاء متساوون في الحقوق والواجبات وعلى منصات محاكمها قضى قضاتها بالعدل والإنصاف لصاحب الحق القبطي أو اليهودي في معزوفة لا تعرفها المدنيات المعاصرة التي تتشدق كثيرا بحقوق الإنسان وللحديث بقية
(2) احتكار الاسلام ونفى الآخر
إن أول الدعائم التي نتساند إليها فى الـ" مراجعات " هى الإيمان المطلق بضرورة التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها نصا وروحا وأنه لا ينبغى الخجل من تلك الهوية أو التنازل عن بعضها لصالح غيرها من الشرائع الأرضية أو الوضعية " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "
ومن نافلة القول هنا أن نؤكد أن ذلك لا يعنى بالضرورة دعوة إلى الدولة الثيوقراطية أو حكم رجال الدين فتلك حجة داحضة بليت وبلى مدعوها !!
فالإسلام هو العدل والحق والإنصاف والتكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والإسلام هو الشورى والحرية الكاملة دون الفوضى , هذه المبادئ والقيم والأحكام الشرعية القاطعة يتواءم معها أي شكل من أشكال الحكم التي هي محل بحث علم النظم السياسية والدستورية فلا بأس من أن يكون نظام الحكم رئاسيا أو ملكيا أو نيابيا ، بالاقتراع المباشر أو على درجتين كل ذلك يستوعبه الإسلام من الأطر التي يرتضيها الناس في دنياهم كتقنين لتلك المبادئ الثابتة بحيث تحقق الشورى فى مراميها
فالاعتماد بشكل واضح على المرجعية الشرعية أمر لا مناص منه لأصحاب المشروع الاسلامى , فنثبت كل ما اصطلحت عليه الأمة وتلقته بالقبول والرضى من مصادر التشريع والفقه الإسلامي الراجح
ونشدد على ضرورة حشد كل القوى التي تعتمد هذه المرجعية والأفراد الذين يعتمدون النضال السياسي من أجل ترسيخ هذه المفاهيم وتحقيق تلك الأهداف انطلاقا من الهدى النبوي الخالد أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
ومشروع الإحياء يرمى إلى التواصل مع نضال الأمة الذي أسفر عن مكتسبات حقيقة كثيرة تتمتع بها كثير من الشعوب العربية , فهامش الحرية المتاح الآن لم يكن منحة سلطوية بقدر ما كان نتيجة طبيعية لنضال الأمة عبر أجيالها وضريبة شهداءها الذين بذلوا دماءهم من أجل صحوة الجماهير والبحث عن غد أفضل تتبلور فيه هوية الأمة الحقيقة ومرجعيتها الإسلامية الوسطية المعتدلة
لذلك كانت الفكرة المسيطرة على هذه المراجعات هو ضرورة التلاحم مع الجماهير والتواصل مع النخب الثقافية والفكرية في المجتمع من أجل دعم الفكرة الإسلامية وتجليتها لتكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض وأن يكون ذلك السعي مجردا في ذاته مكملا لكل الجهود الأخرى التي تبذلها هيئات أو تجمعات أو جماعات إسلامية , المهم أن تتكامل الجهود ولا يصادر كل فريق على وسيلة الأخر وآلياته لكن المطروح إيجاد آليات مشتركة تتحرك من خلالها فصائل الحركة الإسلامية فتكون معا قوة ضغط هامة في المجتمع لا تستطيع معها أي دوائر شرقية كانت أم غربية أن تدعم فكرتها باستئصال الإسلاميين
وهنا يلزم أن نشير إلى ضرورة تطوير مكونات وزيادة جرعات فكرة قبول الآخر والتباعد من ثم شيئا فشيئا عن احتكار الحديث باسم الاسلام أو الشعور بصحة وسيادة المفهوم الذى تتبناه كل مجموعة أو مؤسسة أو منظمة أو جماعة من التى تعمل فى حقل الدعوة الاسلامية أو التى تعتز بمرجعيتها الاسلامية , فلا شك أن البون شاسع فعلا بين الاسلام العظيم واعتناق أبنائه له وصحة هذا الانتساب وبين اختلاف مفاهيمهم له وتأويلاتهم حوله , وهنا لا بد ان نستصحب حقيقة مرونة الاسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان , وكما قال علماء الاصول التشريع لله ابتداء وللبشر ابتناء , فهناك قواعد وأحكام وضوابط وضعها الاسلام ثابتة لا تتغير ينبغى التقيد بها وعدم الاجتهاد فى سبيل تنفيذها تلك هى العبادات والعقيدة وهناك مساحات شاسعة تتعلق بحاجات الناس واختياراتهم تلك التى تتغير بتغير الزمان والمكان جعل الله الشأن فيها لاصحابها من البشر الذين يتغيرون وتتغير احتياجاتهم وأفهامهم وهنا تكمن مرونة هذا الدين العظيم , وهنا ينبغى أن نقبل فكرة تغير المفاهيم ولا ينبغى التمسك بالفهم الحصرى له ولكل تفصيلاته ووسائله وآلياته .
لا بد أن نعترف بارتكاب الحركة الاسلامية المعاصرة أخطاء قاتلة فى هذا الصدد منذ تنامت فى أواسط السبعينات مع نشوء تيار الصحوة فى الجامعات المصرية , ولا أريد أن أحمل الذين قادوا تلك الصحوة كل أسباب التعصب وإقصاء الآخر فمن المؤكد أن أسباب مختلفة قد لا يكون هنا المكان المناسب لطرحها جملة واحدة , ولكن خصوصية الموضوع مع ضيق المساحة هى التى دفعتنا للإشارة هنا والتفصيل لاحقا
فقد ثار لغط شديد بحقيقة نشأة الجماعة الاسلامية الطلابية فى جامعات مصر فى السبعينات ودور الرئيس الراحل أنور السادات أو رجله القوى محمد عثمان اسماعيل رحمه الله آنذاك بهذه النشأة , ولقد تناول أخانا الفاضل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فك الله أسره وفرج الله كربه شيئا من هذه المعلومات ورد عليها فى مذكراته التى نشرها مؤخرا وهى لها من الاهمية بمكان باعتبار الرجل من شهود المرحلة المهمين وقتها , والذى نريد اجتزائه فيما يتعلق بالتعصب أو التشدد واقصاء الآخر هو ممارسات الحركة أو رموزها داخل الجامعة فى تلك الآونة والتى وصلت لدرجة نفى الآخر ومنعه قسرا من ممارسة حقه فى التعبير طبعا انطلاقا من واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
وللحديث بقية
(3): وحدة الأمة من الايمان
لقد دخل التيار الإسلامى فى الجامعات المصرية أواسط السبعينيات معركة حامية الوطيس مع التيار القومى والناصرى واليسارى، استغل خلالها حالة «السماح» التى منحها السادات للجماعة الإسلامية الطلابية فى التنكيل بالتيارات المناوئة واستخدام أساليب قاسية مع وجود غطاء رسمى ساعد فى تمرير هذه الأساليب التى أدت لنفى التيار اليسارى من داخل جميع الجامعات المصرية وتولى الإسلاميين سدة الرئاسة فى اتحادات طلاب الجمهورية، وتولاها رموز الحركة الإسلامية فى ذلك الوقت، وكانت قمة التنازلات فى تولية رئيس الاتحاد العام للطلاب على مستوى الجمهورية الذى خلف عبدالمنعم أبوالفتوح لشخص غير ملتح، كطلب الرئيس السادات، وكان هو الأخ محمود الدكش على ما أذكر.
تجدر الإشارة إلى أن الجماعة الدينية التى حاول السادات تأسيسها لمواجهة اليسار والناصريين داخل الجامعة فشلت فشلا ذريعا لأنها كانت صنيعة النظام، بينما الجماعة الإسلامية لم تخرج من عباءة النظام، وهذا هو الخلط الذى حاول البعض تمريره عند الإشارة لنشأة الجماعة الإسلامية داخل جامعات مصر، ومن ثم كانت حالة «السماح» الساداتية بحرية حركة الإسلاميين للإجهاز على معارضيه من اليساريين والناصريين هى نتاج سياسة أحادية الجانب، استغلها النظام بنجاح بعيدا عن مدارك ونوايا قادة التوجه الإسلامى الجديد آنذاك فى الأوساط الطلابية، بل وخارج أسوار الجامعات
لكن الحركة الإسلامية وقتها وهى فى طور النشأة والمراهقة ونتيجة ظروف وعوامل مشتركة منها بالتأكيد مواقف سلبية لقيادات يسارية وناصرية تجاه الإسلاميين وليدة صراع طويل بين الإخوان وتلك التيارات، لم يسهم الإسلاميون الجدد فى أسبابها واستعارتها، لكن مرة أخرى نشير لعدم نضج الإسلاميين آنذاك فى تمييز المواقف بين الفصائل اليسارية والناصرية وإمكانية احتواء عناصر استوعبت التجربة وأكدت ضرورة التمازج بين الانتماء للإسلام كدين والقومية العربية كمشروع وحدوى.
كانت هناك قيادات ناصرية يمكن التفاهم معها وترك مساحة معقولة للتفاهم معها والأمر نفسه مع قيادات يسارية معتدلة، لا شك أن إقصاء كل رموز وقيادات التيار الناصرى واليسارى صب فى مصلحة السادات وحده دون غيره، وما يمكن أن يحسبه البعض أنه انتصار أيضا للتيار الإسلامى، مرحليا كان يجافى الصواب والحقيقة لأنه كرس مشاعر غير ودية بين الطرفين وصراع طال استنفد طاقات التيارين قبل أن نصل أو يصل الاثنان لحقيقة الاستيعاب والتعاون والحوار الموضوعى على مرتكزات أساسية للأمة.
وأذكر فى بداية التسعينيات أن التيار الإسلامى اقتحم حصنا حصينا من حصون التيارات العلمانية واليسارية وأعنى به نقابة المحامين، فى عام ٩٢ فاجأ القيادى الإخوانى البارز آنذاك مختار نوح الجميع بمن فيهم فصائل مختلفة داخل التيار الإسلامى ذاته بقائمة ضمت ٢٢ من جملة ٢٤ ينبغى اختيارهم أعضاء فى مجلس نقابة المحامين
اكتسحت قائمة التيار الإسلامى نقابة المحامين وأسقطت قمما قانونية ونقابية من مختلف التيارات السياسية وسقط فى زحمة هذا الموج الهادر رمز نقابى فى حجم وقيمة أحمد نبيل الهلالى الذى ضرب أروع الأمثلة على التجرد والنبل فى الدفاع عن الإسلاميين فى كل المراحل التى تعرضوا فيها للابتلاءات، ونقابيين بحجم عصمت الهوارى ومحمد فهيم أمين، فى الوقت الذى نجح فيه الصديق العزيز عاكف جاد والصديق رأفت باعتبارهما يمثلان الحزب الوطنى ولا خلاف على جدارتهما النقابية لكن معيار احتضانهما آنذاك كان بحسبان انتمائهما للحزب الوطنى بما فى ذلك من دلالة أرادها بعناية مختار نوح
لا شك أن هذا الإقصاء ولد لدى هذه التيارات المختلفة والمتباينة فيما بينها رغبة التوحد والانتقام من التيار الإسلامى برمته، ومن ساعتها لم تشهد نقابة المحامين استقرارا، وحمل لواء تلك التيارات الناصرى سامح عاشور بعد غياب مفاجئ للنقيب أحمد الخواجة ودخل مع تيار الإخوان فى مواجهات حادة أسفرت عن انقسام واضح فى تلك النقابة العريقة امتد من عام ٢٠٠١ حينما نجح عاشور رغما عن الإخوان، وتترس بالنقابة، وأنشأ القائمة القومية التى استطاعت مناوأة الإخوان مرة أخرى عام ٢٠٠٥ قبل أن يتم إقصاء الإخوان وحلفائهم عن قيادتها بعد ١٧ سنة انفردوا خلالها بالريادة
لا أريد أن أستغرق فى سياسة «جلد الذات» أو يتصور البعض أننا نرمى بهذه السطور لنحوز رضاء أحد فى تلك التيارات، لكنها الأمانة والرغبة فى صنع مناخ أفضل نقدمه لأبنائنا وشبابنا لعلهم يستطيعون صوغ علاقة متوازنة لم نفلح فى رسمها كما أننى بالتأكيد لا أنكر مثلا المعاناة التى عانى منها الإسلاميون قبل تمكن مختار نوح من تعديل قواعد اللعبة، وإعادة رسم خريطة القوى داخلها، فهو نفسه نجح بمفرده فى انتخابات ٨٥ بينما لم يفلح قبله وعلى مدى عقود رموز أخرى إسلامية فاعلة فى اقتحام مجلس نقابة المحامين، باعتبارها من الممنوعات على الإسلاميين
(4)
لا شك أن الاسلام دين يكرس المبادئ والاخلاق الحميدة , مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ووصفته السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها " كان خلقه القرآن" , فالأخلاق الطيبة وسن العشرة هى ديدن المسلم وعنوانه , المسلم ينبغى ان يكون مشروع سعادة وتفاؤل وأمل لكل من حوله والمحيطين به " ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم" وقوله صلى الله عليه وسلم " ولو أن تلق أخاك بوجه طليق"
بعضنا يفهم التدين بطريقة خاطئة متصورا أن"تكشيرته" فى وجوه الناس تكون سببا لاحترامه وتوقيره رغم أن التعاليم النبوية تقطع " تبسمك فى وجه أخيك صدقة" وعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البرِّ والإثم، فقال:" البرُّ حُسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهتَ أن يطلع عليه الناس , وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول:" إن من خياركم أحسنَكُم أخلاقاً " وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم- :" ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيَّ " وقال -صلى الله عليه وسلم- :" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلُقاً, وقال -صلى الله عليه وسلم- :" إن المؤمن ليُدرك بحسن خُلقه درجة الصائم ِالقائم " وقال -صلى الله عليه وسلم- :" أنا زعيمٌ ببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خلقه" وقال -صلى الله عليه وسلم-:" إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون ؟ قال: المتكبرون وقوله :" ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء
ولو تتبعنا النصوص سواء فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة لما وسعنا المقام فى سلسلة مقالاتنا التى نتحدث فيها عن المراجعات , وما تواتر فى السيرة أن الاسلام انتشر فى الربوع والبلدان والأمم بأخلاق الصحابة والتابعين وكان انتقال المسلمين بتجاراتهم سببا أصيلا لانتشار الدين العظيم فى الامم اقليميا ودوليا.
فرق بين هذا الذى نشير إليه ونستحضره من بين الركام عن الأخلاق الفاضلة الزكية وبين الدروشة أو التقهقر والقعود " فأخوك أعبد منك " تبقى شعارا خالدا للتعبير عن قيمة العمل والسعى فى مناكب الدنيا, فهذا الذى أراد التعبد فمكث فى المسجد منقطعا عن العمل مكتفيا بما يصله من أخيه من طعام وشراب وكسوة ضرب مثلا سيئا رفضه الخليفة العادل عمر بن الخطاب , ومثل أخر يوضح المراد حينما رأى الفاروق عمر رجلا يمثل صورة المتدين بلهجة متصنعة فى الحديث قد تنبئ عن الفقه والتقعر فى العلم أو تنبى عن زهد فى الملبس فهيئة الرجل كلها فيها استماتة متصنعة أخذ الفاروق بدرته وضرب بها هذا الرجل وهو يقول للدنيا من خلفه "يا هذا لا تمت علينا ديننا "
ومن الأخلاق الفاضلة التى دعى إليها الإسلام وتبنتها شرائع السماء هى الأمانة والوفاء بالعهود , وسمى محمد صلى الله عليه وسلم بالأمين وأرجح ما قيل عن تواجد الامام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه وهو ابن عم النبى ومن عترته أنه بقى ليؤد الامانات إلى أهلها , ولقد ابتلينا فى زماننا هذا بأقوام لا يؤدون أمانة حتى ندر أن يوجد فى القوم رجل أمين يشار إليه بالبنان هذا رجل أمين وقد أمرنا الله سبحانه فى كتابه العزيز " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " وقوله سبحانه فى سورة النحل " وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ " وقوله سبحانه فى نفس السورة " وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ونعى ربنا سبحانه الذين ينقضون العهود ولا يفوون بالوعود بقوله فى سورة البقرة " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سألت أبي ـ أي عن المراد من هذه الآية ـ فقال: هم الحرورية؛ يعني الخوارج!وقال تعالى"وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" .
قال القرطبي في التفسير: قال سعد بن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلا هو إنهم الحرورية يعني الخوارج، الذين عُرفوا بنقضهم للعهود .. وما يتبعون ذلك من إفساد في الأرض.
وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى - أنه قال:" أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " البخاري. هذه المنظومة الشرعية أساس مناسب للحديث عن ملفات شائكة وفتاوى تتعلق باستحلال أموال غير المسلمين فى المقال المقبل بمشيئة الله .
(5)
المشكلة الحقيقية عند إثارة هذه الشبهات التى تحيط بعقول بعض شبابنا المتحمس , أن عدم احاطته بالقدر الكافى من العلوم الشرعية وافتقاره الاهلية اللازمة للاستنباط من النصوص هى التى تقوده إلى الوقوع فى الاخطاء الشرعية أثناء بحثه هو عن سبل الجهاد التى يكفكف بها اندفاعاته وحماسته أثناء شعوره بالصراع النفسى بين الواقع المعايش الذى يشهد خلاله توافر المنكرات وتعاظمها فى المجتمعات المسلمة وبين ماض سحيق يتضمن صفحات مجيدة من حضارة حكمت العالم فترات طويلة وأمجاد وفتوحات المسلمين , فيتصرف وكأنه خليفة المسلمين الممكن , فلو أنه فقه وعلم لأدرك أنه لا يجوز إزالة المنكر بمنكر أخر أشد منه وأعظم , أو أن يؤدى بعمله ورعونته إلى مفاسد أكبر , ولو علم اخواننا هؤلاء أن أحوال الضعف لها أحكامها وأحوال القوة لها أحكامها لما تسرعوا وقال صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه " قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: " يتعرض من البلاء لما لا يُطيق " وكل هذا الذى نشير إليه لا علاقة مطلقا بما يجب أن يتحلى به المسلم من أخلاق طيبة وحسن العشرة .
سببان رئيسيان يرشحان تبنى مثل هذه النقولات المبتسرة والأدلة المرجوحة من حين لآخر فى أوساط الحركة الاسلامية ,أولهما قلة العلم وعدم الأهلية الشرعية وثانيهما قلة الخبرة وعدم الافادة والاحاطة بتجارب الآخرين .
هؤلاء الاخوة الذين يسارعون إلى تنفيذ عمليات جنائية تحت ستار فتاوى منكرة غير واضحة تبرر استحلال أموال غير المسلمين هم بالضرورة لا يملكون القدرة على فهم واستنباط الاحكام الشرعية كما اسلفنا , ولا يحفظون حتى هذه الادلة التى تساق لهم سوقا , ويكرهون الانصات إلى حديث الأخلاق والبر والوفاء بالوعود والعهود وعدم الغدر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يُقال إن في بني فلان رجلاً أميناً، وحتى يُقال للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان. " وننظر مليا في واقعة أبو جندل الشهيرة ففيها من الدروس والعبر ما يكفى ففي الصحيح عند البخاري وغيره : " لما كاتب سُهيل بن عمرو يومئذٍ كان فيما اشترط سُهيل بن عمرو على النبي أن لا يأتيك منا أحد ـ وإن كان على دينك ـ إلا رددتَه إلينا وخليت بيننا وبينه ، قال المسلمون: سبحان الله، كيف يُردُ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسُفُ في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أُقاضيك عليه أن ترده إلي. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟! ألا ترون ما قد لقيت؟! وكان قد عُذب عذاباً شديداً في الله ". فقال رسول الله: " يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإنا لا نغدر، وإن الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً ".
وقد جمع أخونا عبد المنعم حليمة نقولات وأدلة أخرى تؤكد على هذه المعانى فى كتابه منها " وأخرج مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل ـ والده ـ قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر، فقال: " انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "
وقال صلى الله عليه وسلم: " لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به "متفق عليه وقال أيضا: " من أمّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً وقال أيضا: " من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها وقال صلى الله عليه وسلم : " من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " البخاري.
وفي رواية: " ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه، فأنا حجيجه يوم القيامة ".
يقول أبو بصير الطرطوسى فى كتابه معلقا {وقوله صلى الله عليه وسلم " من ظلم معاهداً "؛ أي من ظلمه في داره من قِبَل من يدخل في عهدهم وأمانهم من المسلمين، أو من ظلمه في ديار المسلمين بعد أن دخلها بعهدٍ وأمان من المسلمين، فالحديث يشمل المعنيين .. فليتنبه هؤلاء الذين يهون عليهم ـ لشبه واهية مرفوضة لا قيمة لها في ميزان العلم ـ أن يكون النبي حجيجهم وخصمهم يوم القيامة!}
وقال النبى: " أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ". وقال صلى الله عليه وسلم " مَن كان بينه وبين قومٍ عهد فلا يشدُّ عُقدَةً ولا يحلُّها حتى ينقضي أمدُها أو ينبذ إليهم على سواء
يظن البعض ـ نتيجة جهلهم وقلة علمهم ـ أن من تمام التدين التعامل مع غير المسلمين بطريقة جافة؛ لا تعرف غير الأذى والسب واللعن، والاستحلال والغدر، والغش والكذب وغير ذلك مما يُشين .. وإلا أصبحت موال ومداهن لغير المسلمين .. وللحديث بقية
(6):الغلو والانعزال والتكفير
لعل أهم الاضطرابات التي تحدث لدى شباب المتدينين فى بداية تدينهم هو تلك المساحة الكبيرة والهوة السحيقة بين المجتمع الذى يعيش فيه ذلكم الشاب وما فيه من أمواج فكرية وعقائدية وتغييب لمعنى القيم والفضيلة والأخلاق الحميدة حتى باتت عملة غريبة لا يقوى على الالتحاف بها أى أحد والتبست معاني الشرف والعفة فاختلفت عن مراميها التى فطر الله عليها الخلق وبات الناس يعتادون رؤية الأحضان والقبلات بين غير المتزوجين جهارا نهارا طبعا باسم الفن والإبداع , ويرى ذلكم الشاب وهو على أعتاب مرحلة جديدة زجاجات الخمر بأصنافها المختلفة تباع علنا فى محلات يرتادها الذين يقرعون الخمر وتقدم لمرتادي الفنادق والكافيهات طبعا باسم الحرية , ويستمع لأحاديث غريبة مهمتها الدحض لملابس الحشمة والوقار داعية إلى السفور ونبذ لباس الحجاب أو وضع العراقيل فى طريق المحجبات لمنعهن من تبوء مكانتهن فى المجتمع والحد من تنامي هذه الظاهرة ظاهرة الحجاب . وفى رمضان تجيش الجيوش وتعلن الطوارئ ليس دعما لخصوصية هذا الشهر الفضيل من الصوم والصلاة وقراءة القرآن ولكن لصرف الناس عن هذه المهمة المقدسة التى ندب ربنا سبحانه خلقه لأدائها والارتفاع بنوازع الخير والآداب فى هذا الشهر الكريم
بالجملة لم تعد المقاييس التى يعتمد عليها المجتمع فى تقدمه وتطوره وازدهاره هى منظومة القيم والأخلاق والنسق الحضاري للإسلام بحسبانه القانون الذى يحكم حركة الحياة والسياج الذى يحمى المجتمع وإنما معايير أخرى تتواكب مع القوانين الدولية .
يطالع الشاب المتدين هذا الواقع الذى يعايشه ويفاضل بينه وبين ما يقرأ عنه ويعيش تفاصيله فى بطون الكتب التى يطالعها أو أشرطة الكاسيت أو حلقات الدرس التى ينتظم داخلها فى المساجد عن ماض تليد وحضارة كبيرة ودولة عريضة عاشها الإسلام فى قرون النبوة الأولى والتي تلتها ثم قرون أخرى ارتبطت بها واختلفت خلالها قدراتها حتى بدأت مرحلة أخرى بسقوط الدولة العثمانية التى احتفظت براية دولة الخلافة حتى أنشأ مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية فيجد ناسا غير الناس وبشرا دون البشر وواقع يخالف ذلكم الماضي فيشعر بغصة فى حلقة , ورغبة فى الانعزال عن هذا المجتمع الذي أدار ظهره لمنظومة القيم التي جاء بها الإسلام ورعتها الشرائع السماوية, واستحال لديه قبول فكرة أن يكون الذين ينظمون أمر هذه المجتمعات مسلمون هكذا تبدأ الفكرة , فكرة التكفير ولو أن هذه الفكرة بقيت فى نفس ذلكم الشاب على أصلها العام دون تطبيق أحكام التكفير على أعيان الناس وآحادهم لهانت المشكلة , لكن الذي يعظم المشكلة ويخرجها عن إطارها المعتاد الطبيعي أمرين أولهما عدم قيام المؤسسات الدينية الرسمية بواجباتها الدعوية والتربوية بشكل سليم وتشاغل الدعاة والعلماء عن المهام التي أنيطت إليهم ومن ثم افتقد الشباب الرعاية ودرجات التأهيل الطبيعية , أما ثانيتهما فهو تكريس بعض الدعاة لفكرة الانعزال بقصد أو بدون قصد عند حملهم على الظواهر التى نعايشها للمجتمعات ونقدهم لها دون تقديم بدائل التعايش التى تضيق الخناق على التطرف أو التشدد فينفلت الشباب مع افتقادهم لأسباب النظر في النصوص الشرعية فيستخرجون أحكاما شرعية ما أنزل الله بها من سلطان , فعدم توفر العلم وأدواته أيضا لكثيرين داخل دوائر الجماعات الإسلامية ربما أهم الأسباب التي تؤدى لظواهر الانعزال والتشدد والتكفير
إننا لا شك نشعر بحرج كبير ونحن نستقصى هذه الظواهر أثناء رصدنا وحديثنا عن المراجعات ومن ثم تنقية المسيرة مما يشوب أداء الحركة الاسلامية , فلم يكن من أهدافنا ارتقاء منصة الحكمة والقيام بدور الحكيم , معاذ الله لم يكن هذا من أهدافنا وكما قال النبى الكريم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " , ومما قد يشعرنا بالحرج اتساع رقعة الحرب ضد الاسلام عالميا والتى يقود أوارها قوى دولية تمسك بيديها زمام القيادة عالميا ومع وجود رقع فى الامة تتعرض لاحتلال الامريكان وأعوانهم وبقاء شعبنا العربى والمسلم فى فلسطين يتعرض للإضطهاد والظلم والعنصرية مما يدفع البعض لمطالبتنا برعاية الحرب ضد العلمنة والتغريب وكارهى التدين وتصفيف الصفوف خلف المقاومة فى ربوع العالم الاسلامى ضد قوى الاحتلال , لا شك أننا فى قلب الأمة ودعاتها الذين يعملون على المحافظة على قيم الاسلام وأدابه وتعاليمه وأيضا المناصرين والداعيمن لكل حركات المقاومة التى تسعى للتحرر من الاحتلال فى أمتنا , لكن ذلك كله لن يتحقق إلا بعلاج ظواهر النقص التى تكرس التكفير والانعزال كما أن أجواء القهر والاستبداد هى التى تفرز ظواهر التكفير ومن ثم يعد الافتئات على العلماء والعلم وإصدار فتاوى خاطئة وتكفير المجتمعات والأفراد واستحلال الأموال وقتل الآمنين والمستأمنين
إننا نريد الولاية الكاملة بين المؤمنين والمؤمنات " فالمومنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" لكن ذلك لن يتحقق إلا بتطهير الحركة الاسلامية من كل الظواهر التى تعطلها عن اللحاق بركب المدنية والحضارة فتحلق فى أفاق أممها جزء لا يتجزأ منها تبحث عن أسباب الحضارة والتفوق التقنى والتكنولوجى التى تقوم على أسباب أخلاقية صحيحة وللحديث بقية
( 7 ) : وسطية أهل السنة والجماعة
لا ننكر على شبابنا المتدين غيرته ولا إخلاصه ونواياه فهذه من الأمور التي نكل الفصل فيها لرب الناس في المشهد العظيم , لكن الظاهر توفر الإخلاص والهمة ومحاولة أخذ الدين بقوة . غير أن الإمام المبتلى أحمد بن تيمية كان قد علمنا أن التصرف الرشيد لا بد أن يقوم على أمرين خالصا صوابا , الإخلاص أن يستهدف صاحب العمل رضي الله سبحانه خالصا لله رب العالمين صوابا على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فقد العمل أحد هذين الركنين فقد القدرة على نيل الرضي الإلهي فالإخلاص لوحده ليس كافيا فلا بد أن ينهج العبد نهج النبي المعصوم في سيرته وسنته
والأوصاف التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم للخوارج تدفع إلى الفزع والخوف والوجل خشية الوقوع في براثن تلك الفرقة التي حرفت عن النهج المستقيم , فهم " حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام" وهم أيضا " يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم" وهم " يقولون من خير قول البرية" وغير هذه الصفات التي تؤكد تدين أتباع تلك الطائفة بل غلوهم في التدين وهنا مكمن الحذر ويؤتى الغر من مكمنه . وميزة الإسلام أنه شريعة وسطية لا إفراط فيها ولا تفريط , فكما يزيغ عن الطريق القويم المبتذلين المفرطين في دينهم التابعين كل ناعق من شرق وغرب الذين لا يعرفون سبب الخليقة ولا شروطها ولا يقدرون أن الطريق موحشة والدروب صعبة ومهلكة ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة , وأنه من خاف أمن ونجا , الذين يعيشون حياتهم كما تعيش الأنعام (يأكلون ويشربون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) لا يؤدون صلاة ولا صيام ولا يحرصون على إخراج الزكاة أو القيام بفريضة الحج , لا يؤرق مضاجعهم تراجع المسلمين عن القوى العظمى التي تقود البشرية في العقود المتأخرة ولا كيفية إحياء المشروع الإسلامي , لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر , بل يتبعون حذو أعداء الإسلام حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب دخلوه كما قال المصطفى , هؤلاء وأولئك سواء بسواء الإفراط والتفريط , وعلى هذا أردنا أن ننبه إلى مخاطر الغلو فى فريق المتدينين فالغلو فى اللغة هو: مجاوزة الحد وفى الشرع هو التشدد والخروج عن حد الاعتدال في الدين اعتقاداً أو عملاً وقد خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما على الأرض وخط خطوطا أخر ى متعرجة وغير مستقيمة وتلا قول الله سبحانه ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) والذي شيب نبينا الكريم كما قال المفسرون في سورة هود أن بها آية الاستقامة ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إني بما تعملون عليم) فالاستقامة وما تفرضه من رغبة في التدين والرغبة في دخول الجنة قد تدفع صاحبها إلى الغلو والإفراط , لذلك تبقى أسباب الغلو والتكفير قابلة للتكرار في كل عصر ومصر وزمان ومكان طالما تكررت أسبابها وتوفر مناخها فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البريّة، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم..)وقد خرجوا في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنكروا عليه أشياء فدعاهم إلى الحق وناظرهم في ذلك فرجع كثير منهم إلى الصواب وبقي آخرون فلما تعدوا على المسلمين قاتلهم علي رضي الله عنه وهو ما نريد للعلماء اليوم إتباعه لا أن يتوجهوا بالنقد والتسفيه للشباب المتدين المتشدد وإنما يلزم الحوار معهم وإتباع الحجج وإقناعهم بها , فليس كل متدين خوارجي تكفيري كما يحرص بعض المنفلتين تصوير شبابنا المتدين دائما في هذه الصورة أو ذلك المربع وهنا وجبت التفرقة بين الذين يقعون في المحرمات ويهدرون الدماء ويستحلونها ويستحلون الأموال وبين من يوظفون الأصول توظيفا خاطئا ويستخرجون الأحكام الشرعية من النصوص دون أن يكونوا مؤهلين لذلك تأهيلا علميا مناسبا
إننا نريد لشبابنا أن ينشغل بإعادة الناس إلى دينهم الحق برا وحبا وودا وكرامة , فالرائد لا يكذب أهله والناصح لا يغش قومه , أن تمارس الدعوة وفى نفسك أيضا , أن ترّغب أهلك ومن حولك ونفسك أيضا أكثر من شغل نفسه بإصدار صكوك التكفير , طبعا لسنا مع عقيدة الإرجاء كما لسنا مع عقيدة التكفيريين , الوسطية في منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة
النعي على إتباع عقيدة الخوارج والتكفيريين لا يعنى أبدا نفى وقوع أحد فى كبيرة الكفر ولكن كما أسلفنا ينبغي مراعاة أحكام القوة والاستضعاف ووجود حاكم مسلم ممكن من عدمه وأمور أخرى كثيرة والعلم بالشئ يختلف تماما عن العمل به . والكفر كفران أحدهم مخرج من الملة يرتب لصاحبه الخلود في النار والأخر غير مخرج من ملة الإسلام وينقص الإيمان وللحديث بقية.
(8): طلب العلم فريضة
طلب العلم فضيلة ندب الله إليها عباده المؤمنون وأحال إلى العلماء الفصل فى التباسات المعرفه لقوله سبحانه ( فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) وقوله سبحانه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ , وعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا . قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا . قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر " أخرجه الترمذي
العلم هو الفيصل فى نزع شطط الغلو ويحرز من الاندفاع ويكفكف من محاولات البعض استنباط الاحكام الشرعية من النصوص بغير تأهيل ولا قدرة (فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) لذلك كان الندب لطلب العلم فريضة حق لها الجزاء الدنيوى بنور البصيرة وفى الآخرة بالرضى من رب العباد سبحانه وفى الحديث الذى روته أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع)
فالمنجاة من الشطط هو الأخذ بقسط معقول من العلم والسعى فى طلبه أو لزوم العلماء الثقاة العدول الذين لا يخشون فى الله لومة لائم .
وكثيرة هى القضايا التى تفرز الشطط والتشدد بعيدا عن الأعتدال كما أسلفنا منى قبل , وأهمها قضيتى التكفير والخروج , ولا أعتقد أننى بحاجة لأكرر فى كل مرة أننا لا نستهدف سوى رضا الله عز وجل ثم التناصح لاخواننا فلذات أكبادنا وحبات قلوبنا , ولا ننسخ أحكام ربنا سبحانه فى كتابه العزيز ولا نشهد بإسلام من يجعل كتاب الله وشرعه خلف ظهره ويستبدل به غيره فى بلاد المسلمين فقد قال الله فى محكم آياته " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وما قيل عن ابن عباس فى تفسير الآية أنه كفر دون كفر لم يثبت عنه به دليل صحيح وضعفه الأئمة فقد رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة ( 2 / 521 ) والحاكم في مستدركه ( 2 / 313 )من طريق هشام بن حُجَير عن طاووس عن ابن عباس به , وهشام ضعفه الإمام أحمد ويحي بن معين والعقيلي وجماعة , وقال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد حدثنا ابن جريج عن هشام ابن حجير فقال يحي بن سعيد خليق أن أدعه قلت أضربُ على حديثه ؟ قال نعم , وهذا تفرد به هشام وزيادة على ذلك فقد خالف غيره من الثقات فذكره عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ قال هي كفر وفي لفظ ( هي به كفر ) وهذا هو الثابت عن ابن عباس رضي الله عنه، فقد أطلق اللفظ ولم يقيّد،أما الالتباس الحاصل بذكر كفر دون كفر فقد بينه الامام عبد الرازق وأزاله قال ابن جرير الطبري: حدثنا هناد حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبى عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون. قال هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله . قال الإمام عبد الرزاق: اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله (..فأولئك هم الكافرون (قال: هي به كفر.
قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله فثبت من هذه الرواية الصحيحة التصريح بأن قوله: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله مدرجة من قول ابن طاوس لا من كلام ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية - سفيان عن معمر
إنما سقنا طرف من الروايات التى تحيط بقضية التكفير للحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله وما نسب لابن عباس رضى الله عنه لنقف على أهمية العلم فى ابانة الاحكام الشرعية والنظر فيها
إن المراجعات التى نعنيها لا تعنى أبدا الشهادة بالإسلام لم اعتراه دخن , على الأقل لا نسوقه أو نحبذه أو ندين له بالولاء , وإنما الحرص على الأمن والاستقرار مخافة الفوضى هو أيضا اصل عظيم من الأصول التي عنى بها الإسلام ورعاها.
(9)
إن المراجعات التي نعنيها لا تعنى أبدا الشهادة بالإسلام لمن اعتراه دخن , على الأقل لا ُنسوقه أو ُنحبذه أو ندين له بالولاء , وإنما الحرص على الأمن والاستقرار مخافة الفوضى هو أيضا أصل عظيم من الأصول التي عنى بها الإسلام ورعاها , لقد أعطت الشريعة لحكام المسلمين ضمانة لم يعطها نظام للحكام قاطبة , ضمانة الطاعة وعدم الخروج أو زعزعة الحكم والأمن بكفالة الاستقرار , حتى إذا استوجب الخروج على طاعة حاكم فقد اشترط العلماء شروط غاية فى التضييق لئلا يعانى المجتمع من الفوضى فإذا استحال الخروج دون فوضى فلا يجوز وأصبح الصبر بديلا سائغا , فالحكام والعلماء إذا صلحا صلحت بهم الأمم وإذا فسدا فسدت بهم كما قال صاحب كتاب ظاهرة الغلو والتكفير "والأمن مطلب ضروري جاء الإسلام برعايته وحفظه؛ لأنـه لا يستقيم للمسلمين دينهم ولا دنياهم إلا بــالأمن، فلا يمكن حفظ الضرورات الخمس التي جاء الإسلام برعايتها إلا بالأمـن، وهي: الدين، والنفس، والنسب (العرض)، والمــال، والعقل، وهذا (والله أعلم) من أعظم أسباب تحريم المنازعة والخروج على ولاة الأمر، لكن الغلاة في كل زمان لم يفقهوا هذه الحقائق والمصالح الكبرى."
الأمر الخطر الذى يقع فيه كثير من شبابنا هو الوقوع فى فخ التكفير بما يطلق عليه العلماء تكفير المعين وإطلاق أحكام التكفير على بعض المسلمين الذين قد يقع منهم أفعال كفر , وهو أمر ذميم فلا يجوز وجعل النبي صلى الله عليه وسلم النكير الشديد والوعيد لمن أطلق حكم الكفر على أخيه بقوله: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما) وقد أسرف بعض الشباب فى إطلاق وصف الكفر عينا على الأفراد أو الهيئات أو المؤسسات أو المنظمات العاملة فى مجال الإسلام رغم أن المسلم لا يجوز نعته بالكفر إلا إذا انطبقت عليه شروط الكفر و انتفت موانعه ومن نافلة القول التذكير أنه لا يجوز إطلاق حكم الكفر على أحد من الأفراد أو الجماعات من أي أحد لا يكون مؤهلا وإنما يلزم ذلك من العلماء الثقاة الراسخون فى الأزمات والفتن الكبرى كمـا قـال الله تعـالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ , وهذا بالطبع يختلف عن تكفير الكفار الذين وردت فيهم الأحكام القطعية من القرآن والسنة المطهرة فإطلاق وصف الكفر أو النفاق على أعمال المسلم هو من قبيل كفر أو نفاق العمل لا الاعتقاد كقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها .... الحديث) وهو مثل قوله أيضا ( والله لا يؤمن .. من لا يأمن جاره بوائقه) ومثل قوله أيضا (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...) وقوله ( من غشنا فليس منا ) وغير هذا من الأحكام التي لا يخرج صاحبها عن أصل الإسلام.
والذي لا شك فيه أن كثيرا من الخلل يقع كما أسلفنا فى مواضع مختلفة من هذه السلسلة نتيجة ابتعاد الشباب عن العلم والعلماء وحينما بمجالسة العلماء نعنى بالطبع العلماء الثقاة أهل الدين لا أهل الدنيا الذين يبيعون دينهم بدنياهم وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير".
لا يمكن أن ننكر أن هناك مفاسد كثيرة تغطى مجتمعاتنا اليوم , لا ينبغي مواجهتها بالعاطفة وحدها أو الهوى الجامح بعيدا عن المنهج الشرعي السليم وعدم مخالفة السلف الصالح أو نصائح العلماء المخلصين واستخلاص العبر والدروس المعتبرة من التجارب التي وقعت فى حقب وعقود مختلفة وهنا نشير إلى ما سبق وقررناه فى مواضع سابقة من هذه المراجعات إلى ضرورة التعلم والإلمام بقواعد التكفير التي قررها الشرع واتفق عليها العلماء وأن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع لقوله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم) وعدم الغلو فى الدين لقوله (وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) وانه ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما وقوله (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) وقد نازعنا بعض أصحابنا فى مصطلح العنف غيرة منذ أطلق قادة الجماعة الإسلامية مبادرتهم الشهيرة حتى قرأنا الحديث (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطى على العنف ومالا يعطي على سواه) ففارق كبير بين الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بضوابطه وأسبابه ومناطه وبين العنف فالأول ينطلق من المنهج الشرعي السليم والثاني يفتقده، إننا نريد هذه الطاقة الهائلة التي تتمل فى إيمان الشباب فى مكانها الصحيح فقد وقعت تحولات كثيرة فى المجتمع نتيجة حتمية لغياب هذه الطاقة التي تعطلت كثير فى السجون والمعتقلات والمطاردات وقتا طويلا , فقد ارتفع صوت الباطل من هنا وهناك ليطالب بمطالب ما كان ليقدر عليها لولا غياب تلك الطاقة الإيمانية الهادرة , فبرز دعاة التغريب والعلمنة يجتهدون فى طمس معالم الأمة المصرية وبرز البهائيون والصليبيون والزنادقة والالحاديون كلهم يرمى الإسلام عن قوس واحدة .
التاريخ: 24/11/2009
ابحث
أضف تعليقاً