حوسى سعادة
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه و من تبع هداه إلى يوم الدين.
لقد وردت لفظ التدبر في القرآن الكريم في أربعة مواضع، وهي كما يلي حسب الترتيب القرآني:
﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ سورة النساء، الآية82
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ سورة المومنون، الآية 68
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ سورة ص، الآية29
﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ سورة محمد، الآية24
و الملاحظ أن لفظة التدبر قد وردت في القرآن الكريم بصيغة الفعل فقط مقرونة بضمير الجماعة الغائب، مرتين ﴿ يتدبرون ﴾ و مرتين ﴿ يدبروا ﴾.
التدبر لغة:
جاء في لسان العرب " دبر الأمر و تدبره: نظر في عاقبته، و استدبره: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، و عرف الأمر تدبرا أي باخرة، قال جرير:
ولا تتقون الشر حتى يصيبكم و لا تعـرفون الأمــر إلا تدبرا
و التدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، و التدبر، التفكر فيه".
يفيد التدبر إذن في اللغة معرفة عواقب و مآلات الأمور، كيف هو إذا صار إليها؟ و كيف يكون؟
علاقة لفظة التدبر بالألفاظ المجاورة له:
الملاحظ أنه ترد لفظة التدبر مقرونة بالقرآن أو إحدى معانيه كالقول و آيات الكتاب، فالتدبر إذن فعل إنساني يهدف إلى التفكر في الآيات القرآنية لا الآيات الكونية. و الخطاب موجه في جميع الآيات إلى غير المؤمنين، بأسلوب الاستفهام الإنكاري في ثلاثة مواضع. و مقرونة بلام التعليل في مرة واحدة، ﴿ ليدبروا آيَاتِهِ ﴾. . وقراءة أبو جعفر وعاصم ﴿ لتدبروا آياته ﴾ بالتاء، بمعنى : لتتدبره أنت يا محمد وأتباعك. و هذه القراءة دعوة للمؤمنين مباشرة للتدبر. والعلاقة الثانية هي علاقة التدبر بالاختلاف، و هو أن هذا الكتاب تنزيل من عند ربهم، لاتساق معانيه وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد، فيعلموا حجة الله عليهم في طاعة الرسول واتباع أمره صلى الله عليه وسلم. و العلاقة الثالثة ، هي القلوب و الإقفال، و هي أن القلوب التي تعرض عن تدبر كتاب الله تعالى قلوب مقفلة، أهلها لا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر.
المعاني الجزئية للفظة التدبر:
عدم تدبر المبيتون لكتاب الله تعالى ليعلموا حجة الله عليهم، ذلك أن هذا الكتاب موصوف بالكمال لاتساق معانيه وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد بعض.
"التأنيب الشديد للذين أعرضوا عن القرآن، وهجروه، و لم يعبئوا به و لا بما جاء فيه، فلم يدبروا القول الذي أنزله الله تعالى ليفهموا دلالاته، حتى يهتدوا بهديه، ويعملوا بما جاء فيها".
تدبر حجج الله تعالى في القرآن، وما شرع فيه من شرائعه، للاتعاظ والعمل به.
عدم تدبر المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام و عدم التفكر في حججه التي بينها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون، أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر.
المعنى الإجمالي لكلمة التدبر:
يرد فعل التدبر في القرآن الكريم مقرونا بالنظر في آيات الله تعالى المسطورة لا المنظورة، خلافا للتفكر الذي يرد غالبا مقرونا بالنظر في الآيات الكونية أولا، و النظر في الآيات القرآنية ثانية. و تدبر آيات القرآن "هو النظر إلى مآلاتها و عواقبها في النفس و في المجتمع." . وهو تفهّم المعاني وتدبر المقاصد ليحصل الاتعاظ ويقع العمل.
و ترك تدبر آيات الله تعالى لا يكون إلا من أهل القلوب المقفلة التي لا تسمح بدخول الهداية و المعرفة إليها، ذلك أن هذا الكتاب فيه من الكمال، و فيه من التناسق، وفيه من قويم المناهج و محكم التشريع، وفيه تبيان كل شيء وهداية لكل المتدبرين. و التدبر عبادة.
* طالب باحث
حركة التوحيد والإصلاح:19/5/2011
ابحث
التعليقات
تدبر القران الكريم و فهم
تدبر القران الكريم و فهم معانيه العميقة هو سر طمئنينة النفس و الوجدان
أضف تعليقاً