wasateah
المنتدى العالمي للوسطية
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
عدد الزوار page counter
" نبذ التعصب المذهبي من خلال أقوال للأئمة الأربعة رحمهم الله"
د. سلامة المزاودة

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، وجعلنا عند إتباع تعليماته خير أمّة أخرجت للناس، حثنا على التآلف والاجتماع، ونهانا عن التفرق والاختلاف. والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

إنّ القرآن الكريم حين نزل في القرن السابع الميلادي كان التعصب هو أهم ما يميز علاقة المجتمعات ببعضها البعض، فكان التعصب القبلي سمة العلاقات بين العرب، وكان التعصب الديني والجنسي سمة العلاقات السائدة خارج الجزيرة العربية.

ونزل القرآن الكريم ليحارب هذا التعصب ويقول للبشرجميعاً؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(الحجرات13).

فأصل البشرية واحد من أب واحد، وأم واحدة، وقد جعلهم الله شعوباً وقبائل ليتعارفوا لا ليتصارعوا، وأكرمهم عند الله أكثرهم تقوى وخشوعاً، والله جل في علاه لا يأبه باللون، أو المال ، أو المظهر والمكانة الدنيوية، وإنما بما يعمر في القلب من تقوى وإخلاص.

مفهوم التعصب:

أخذت كلمة التعصب من العصبية، وهي أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبيته، والوقوف معها على من يناوئها، ظالمة كانت أو مظلومة- ومن معانيها أيضاً- أي التعصب والعصبية- المحاماة والمدافعة والنصرة. ([1]). ويكون ذلك على مستوى الأفكار والمشاعر، والأقوال والأفعال.

والتعصب ليس نوع واحد، وإنما هناك تعصبات كثيرة منها: التعصب الأسري، والتعصب القبلي، والتعصب العرقي، والتعصب الجهوي، والتعصب الحزبي، والتعصب الديني، والتعصب المذهبي، ويحدث بين مذاهب الدين الواحد، وهو موضوعنا، وقد تجلت مظاهره في مختلف جوانب الحياة عند المسلمين خلال العصر الإسلامي، على مستوى المذاهب والطوائف.

أسباب التعصب المذهبي:

هناك العديد من الأسباب الأساسية والثانوية التي أدّت إلى التعصب المذهبي منها ([2]):

  1. عدم الالتزام الصحيح والكامل بدين الإسلام على مستوى المشاعر والأفكار والسلوكيات، لأن ديننا الحنيف يقوم على العدل والمساواة، والتوازن والاعتدال، ولا يقوم على التطرف والغلو والتعصب للباطل.
  2. ردود أفعال الأتباع المتمذهبين في تفاعلهم مع مذاهبهم، فمن الطبيعي أنها تولد فيهم الرغبة للإنتصار لها والدفاع عنها.
  3. الدور السلبي الذي قام به العلماء المتعصبون، فهم الذين دعوا إلى التعصب المذهبي ونشروه، وشجعوا عليه وشاركوا فيه، فكانت أفعالهم هذه مشاركة سلبية أججت التعصب ولم تحد فيه.
  4. الموقف السلبي لكثير من الخلفاء والملوك وأعوانهم في التعامل مع ظاهرة التعصب المذهبي، فلم يسعوا إلى التخلص منها، ولم يحسنوا التعامل معها، فاتخذوا لأنفسهم مذاهب وتعصبوا لها، ونصروها على حساب المذاهب الأخرى بالأقوال والأفعال.
  5. الأعمال السلبية التي قام بها الوعُاظ المتعصبون، فاستغلوا وظيفتهم لنشر التعصب المذهبي والتشجيع على الفتن والمصادمات.
  6. تمذهب عوام الناس، فلما تمذهبوا تعصبوا لمذاهبهم عن جهل و طيش، وعصبية عمياء، وبتحريض من علمائهم وحكامهم المتعصبين مثلهم.
  7. رواج الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين المتمذهبين المتعصبين.
  8. بقاء كثير من المسائل- الأصولية والفقهية- المختلف فيها بين المذاهب، على ما هي عليه، من دون تحقيق علمي نزيه يرفع عنها الخلاف، حتى وإن كانت أدلتهم ضعيفة، فأدى ذلك إلى تكريس العصبية المذهبية والتشجيع عليها، والدفاع عنها، وإبقاء مسائل الخلاف قائمة.
  9. الدور السلبي لجهاز القضاء خلال العصر الإسلامي في تعامله مع المذاهب الفقهية والتعصب لها، فعندما كان القضاء أحادي المذهب، كان يحكم بالمذهب الذي تتبناه الدولة، وعلى المذاهب الاخرى الخضوع لمذهب الدولة والأخذ به أحبت أم كرهت، كما أن مذهب الدولة الرسمي مكّن لأتباعه من إستخدام نفوذهم في الدولة لنشره وتقويته، والتعصب على مخالفيه.

      هذه بعض الأسباب التي كانت وراء التعصب المذهبي بين المسلمين الذين أمرهم الله سبحانه وتعالة بالإجتماع وعدم التفرق قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(آل عمران103)

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"([3]) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّها الناس، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة، أيُّها الناس، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة، أيُّها الناس عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة" ([4]).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجماعة رحمة، والفرقة عذاب" ([5]).

إن التعصب المذهبي فرق بين أبناء الأمة الإسلامية، وكان وراء ما سجله التاريخ عن أتباع المذاهب من تبادل الآراء الفاسدة والأحكام الباطلة، والصراعات الدموية المؤسفة، والتعصب المذهبي أدّى بالمسلمين بأن يجعلوا في المسجد الواحد أكثر من محراب، كل محراب لأهل مذهب يصلون منفردين عن الجماعات الأخرى، كأنهم أصحاب أديان مختلفة، كما أن التعصب المذهبي أبعد معظم أهل العلم عن التعامل المباشر مع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

والتعصب المذهبي أدى إلى كثرة الكذب في الأحاديث النبوية، والروايات التاريخية، انتصاراً للمذاهب، ورداً على خصومها، فراجت الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس، وراجت بينهم الأخبار المكذوبة، والتي شوّهت جانباً كبيراً من التاريخ الإسلامي.

أقوال للائمة الأربعة تنهى عن التعصب المذهبي

يقول أبو حنيفة النعمان : "هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي غير هذا قبلناه، حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي" ([6]) .

إن المضامين الفكرية لقول أبي حنيفة النعمان تبدو جلية ساطعة، حيث يشير إلى أنه يتحدث برأيه حسب ما توصل إليه من أدلة، كما أنه لم يدعُ الناس إلى إتباع مذهبه وطريقته من غير فهم أدلته التي توصل إليها، أضف إلى ذلك دعواه إلى قبول الرأي الأخر في حالة ظهور مصداقيته، كما أنه لم يطلب من الناس أن يتعصبوا إلى مذهبه ويقاتلوا الآخرين على ذلك. وأخيراً إنه لم يطلب من الناس أن يقصروا فهمهم للدين الإسلامي على مذهبه وطريقته ([7]).

ويقول الإمام مالك بن أنس: "إنما أنا بشر أخطى وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" ([8]).

فقول الإمام مالك بن أنس يحمل في طياته المبادئ الفكرية الواضحة، حيث يشير بدقة إلى أنه بشر يصيب ويخطئ، لذلك طلب من الناس أن يعرضوا قوله على كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه الأمين، لذلك فهو لم يُلزم الناس بإتباع ما جاء به دون أن يتبينوا انسجامه مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، كما أنه لم يطلب منهم التحيز لمذهبه، وقذف المذاهب الأخرى بشتى أنواع الشتائم والسباب، ولم يطلب منهم أن يقاتلوا أتباع المذاهب الأخرى ([9]).

 

ويقول الإمام الشافعي: "إذا وجدتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خلاف قولي، فخذوا السنة ودعوا قولي فإني أقول بها"، وفي رواية: "كل مسألة تكلمت فيها بخلاف السنة، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي"، ويقول: "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه، فمهما قلت من قول أو أَصَّلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي" ([10]).

فيبدو من أقوال الإمام الشافعي سياسة عدم التعصب لرأيه واضحة ساطعة ووجوب الأخذ بالحديث الصحيح المخالف لرأيه، كما أنه لم يلزم الناس بإتباع مذهبه وطريقته دون الالتفات إلى ما عند الأطراف والمذاهب الأخرى من أحاديث صحيحة مخالفة لرأيه وأقواله، بل طلب منهم أن يضربوا بقوله عرض الحائط في حالة بيان الحديث الصحيح المخالف لرأيه عند المذاهب الأخرى، ولم يطلب من الناس أن يتعصبوا إلى أقواله ويقاتلوا المسلمين عليها  ([11]).

ويقول الإمام أحمد بن حنبل: "لا تكتبوا عني شيئاً ولا تقلدوني ولا تقلدوا فلانا وفلانا، وخذوا من حيث أخذوا"، ويقول: "لا تقلدوا دينكم الرجال، إن آمنوا آمنتم وإن كفروا كفرتم"، كما يقول: "من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال" ([12]).

فيبدو واضحاً من أقوال الإمام أحمد بن حنبل دعوته الصادقة إلى الناس بوجوب الالتزام التام بكلام الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه الأمين، كما أنه بين حقيقية هامة وهي أن الرجال لن يسلموا من الوقوع في الخطأ والغلط، لذلك نهى عن تقليد الرجال في الدين، بل إن الدين هو كلام الله وسنة نبيه . ولا يوجد في كلامه ما يدعو إلى التعصب لأقواله بل إن كلامه يحث على إعمال العقل، والتمسك بالكتاب الكريم والسنة النبوية.

 

الخاتمة

أن الإسلام حارب جميع أشكال التعصب، وحث على الوحدة والألفة والإخوة، وكان هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التعصب المذهبي الذي أدى إلى الصراعات الدموية المؤسفة، وإلى كثرة الكذب في الأحاديث النبوية، في حين أن جميع المضامين الفكرية لأقوال  الأئمة الأربعة_ رحمهم الله_ تنهى عن التعصب، وتدعو إلى الالتزام بالكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة.

 

الهوامش

(1) ابن منظور الإفريقي:لسان العرب، بيروت، دار صادر، دت، ج1، ص607.

أنظر:

(2) خالد كبير علال: التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي، د.م، دار المحتسب، 2008، ص1666-171

(3) البخاري: الجامع الصحيح المختصر، بيروت، دار ابن كثير للنشر والتوزيع، ج5                      ، 1987 ،ص2238، حديث رقم 5665.

 (4)  أحمد بن حنبل :مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع ، 2008، ج38، ص 220-221، حديث رقم 23145.

(5) محمد الألباني: ضعيف الجامع الصغير وزياداته. بيروت: المكتب الإسلامي، ج3 ،1979. ، ص84، حديث رقم 23104.

(6)أسد حيدر:الإمام الصادق والمذاهب الأربعة. بيروت، دار المعارف للنشر والتوزيع، ج1، 2001، ص187.

(7) (9)  (11)  حسن الحياري: الإنسان المعاصر وسبيل الخلاص، إربد، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية والنشر والتوزيع، 2012، ص531-532

 (8) (10) (12)أبو شامة:مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول، الكويت، مكتبة الصحوة الإسلامية للنشر والتوزيع، 1983، ص 61-62،ص57- 58.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات

كلام اكثر من طيب وصحيح ....

جزاك الله كل خير ... وبارك الله بك

وَبَعْدَ التَّابِعِينَ أَئِمَّةٌ لِي

سَأَذْكُرُ بَعْضَهُمْ عِنْدَ انْتِظَامِ

فَسُفْيَانُ العِرَاقِ وَمَالِكٌ فِي

حِجَازِهِمُ وَأَوْزَاعِيُّ شَامِ

أَلاَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ قُدْوَةٌ لِي

نَعَمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخُو الكِرَامِ

وَمِمَّنْ أَرْتَضِي فَأَبُو عُبَيْدٍ

وَأَرْضَى بِابْنِ حَنْبَلٍ الإِمَامِ

فَآخُذُ مِنْ مَقَالِهِمُ اخْتِيَارِي

وَمَا أَنَا بِالْمُبَاهِي وَالْمُسَامِي

مافي أطيب وألذ من هذه اﻷقوال

أضف تعليقاً

تتم مراجعة كافة التعليقات ، وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ، ويحتفظ موقع المنتدى العالمي للوسطية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ولأي سبب كان ، ولن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة أو خروجاً عن الموضوع المطروح ، وأن يتضمن اسماء أية شخصيات أو يتناول إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية أو العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث أنها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع المنتدى العالمي للوسطية علماً ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط.

Filtered HTML

  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Allowed HTML tags: <a> <em> <strong> <cite> <blockquote> <code> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd>
  • Lines and paragraphs break automatically.

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.